[٢٣٧٤] اختُلِف في معنى هذه الآية؛ فقال قوم: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس، وشياطين الجن التي مع الجن، وليس للإنس شياطين. وقال آخرون: معناه: المرَدَة من النوعين. ووجَّه ابنُ جرير (٩/ ٤٩٩ بتصرف) القول الأول الذي قاله عكرمة من طريق السدي، ومسروق، والسدي من طريق أسباط، فقال: «جعل عكرمةُ والسديُّ عدوَّ الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا} أولادَ إبليس، دون أولاد آدم ودون الجن، وجعل الموصوفين بأنّ بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورًا ولدَ إبليس، وأنّ مَن مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى مَن معَ الجن من ولده زخرف القول غرورًا». ثم رجَّح (٩/ ٤٩٩ - ٥٠٠) القولَ الثاني مستندًا إلى السُّنَّة، وساق الحديث الذي فيه قول أبي ذر - رضي الله عنهما - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل للإنس من شياطين. قال: «نعم». وكذا رجَّحه ابنُ تيمية (٣/ ٩٠) مستندًا إلى السياق، وأقوال السلف، فقال: «وهم شياطينهم من الإنس، كما قال عامَّة السلف، وكما يدل عليه سياق القرآن؛ فإنّ شياطين الجن لم يكونوا يحتاجون لأن يَخْلُوا بهم، ولا هم يقولون: إنّا معكم إنما نحن مستهزئون». ورجَّحه ابنُ كثير (٦/ ١٤٢) مستندًا إلى السُّنَّة، فقال: «فالصحيح ما تقدم من حديث أبي ذر: إنّ للإنس شياطين منهم، وشيطان كل شيء مارده. ولهذا جاء في صحيح مسلم، عن أبي ذر، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكلب الأسود شيطان». ومعناه -والله أعلم -: شيطان في الكلاب». وانتَقَد ابنُ جرير القول الأول مستندًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «وليس لهذا التأويل وجهٌ مفهوم؛ لأنّ الله جعل إبليس وولده أعداء ابن آدم، فكلُّ ولدِه لكلِّ ولدِه عدوٌّ. وقد خصَّ الله في هذه الآية الخبرَ عن الأنبياء أنّه جعل لهم من الشياطين أعداء، فلو كان معنيًّا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي الذين هم ولد إبليس؛ لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبر عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداء وجه، وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه مثل الذي جعل لهم». وانتقده ابنُ عطية (٣/ ٤٤٤) بقوله: «وهذا قولٌ لا يستند إلى خبر، ولا إلى نظر». وعلَّق ابنُ كثير (٦/ ١٤٢) على فهم ابن جرير من قول السدي وعكرمة أنّ المراد بشياطين الإنس: الشياطين من الجن الذين يُضِلُّون الناس، لا أنّ المراد منه شياطين الإنس منهم. بقوله: «ولا شك أنّ هذا ظاهر من كلام عكرمة، وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى، وهو محتمل».