ورجّح ابنُ جرير (٩/ ٥١٩) الجمع بين هذه الأقوال مستندًا لدلالة العموم، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ الله -تعالى ذِكْرُه- تقدَّم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سِرُّه وعلانيته، والإثم: كل ما عُصِيَ الله به من محارمه، وقد يدخل في ذلك سر الزنا وعلانيته، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن، ونكاح حلائل الآباء والأمهات والبنات، والطواف بالبيت عريانًا، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جميع ذلك إثمًا، وكان الله عمَّ بقوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن؛ لم يكن لأحد أن يخُصَّ من ذلك شيئًا دون شيء إلا بحجة للعذر قاطعة». وبنحوه قال ابنُ عطية (٣/ ٤٥٠). وبنحوه قال ابنُ كثير (٦/ ١٤٦) مستندًا إلى النظائر، فقال: «والصَّحيح أنّ الآية عامَّةٌ في ذلك كله، وهي كقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} [الأعراف: ٣٣]، ولهذا قال تعالى: {إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}، أي: سواء كان ظاهرًا أو خفِيًّا؛ فإنّ الله سيجزيهم عليه». وبيّن ابنُ جرير (٩/ ٥١٩) جواز أن يكون ظاهرُ الإثم وباطنُه: ما حرَّم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم -لولا دلالة العموم-، مستندًا إلى السياق، فقال: «غير أنّه لو جاز أن يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان كان توجيهه إلى أنه عني بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع: ما حرَّم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم، وما بيَّن الله تحريمه في قوله: {حرمت عليكم الميتة} إلى آخر الآية [المائدة: ٣]؛ أوْلى، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى وهذه في سياقها، ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك، وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله، فخرج الأمر عامًّا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم». وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٤٥٠) على القول الأخير الذي قاله ابن زيد بقوله: «يريد: التعري التي كانت تفعله العرب في طوافها». ثم ذكر قولًا مفاده أنّ الظاهر: الأعمال، والباطن: المعتقد. وعلَّق عليه بقوله: «وهذا حسنٌ؛ لأنّه عامٌّ».