ورَجَّح ابنُ جرير (١٠/ ١٧٥) القول الثاني والرابع، وهو قول عبدالله بن عباس من طُرُق، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك بن مزاحم، ومحمد بن كعب، والربيع، وإسماعيل السدي مستندًا في هذا إلى السياق، والدلالة العقلية، وقال: «وذلك أنّ الله -جلَّ ثناؤُه- أتْبَع ذلك قوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله}، فأبان بإتباعه ذلك قوله: {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} أنّ الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضِيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنّه قد أخبر أنّ ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم، ولو كان ذلك نصيبَهم من الكتاب أو مِمّا قد أُعِدَّ لهم في الآخرة لم يكن محدودًا بأنّه ينالهم إلى مجيء رسل الله لو فاتهم؛ لأنّ رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأنّ عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء؛ فإنّ الله قد قضى عليهم بالخلود فيه، فبيَّن بذلك أنّ معناه ما اخترنا من القول فيه». وبنحو ذلك قال ابنُ القيم (١/ ٣٨٩)، وابنُ كثير (٦/ ٤١٠). وذكر ابنُ كثير أن نظير الآية على هذا المعنى قوله تعالى: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون* متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} [يونس: ٦٩ - ٧٠]، وقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور * نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} [لقمان: ٢٣ - ٢٤]. ووجَّه ابنُ عطية (٣/ ٥٥٨ - ٥٥٩) معنى الآية على قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بقوله: «معنى الآية على هذا التأويل: أولئك يتمتعون ويتصرفون من الدنيا بقدر ما كُتِب لهم، حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم، وهذا تأويل جماعة في مجيء الرسل للتوفي».