للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، إنّ عادًا أتاهم هود، فوَعَظَهم، وذكَّرهم بما قصَّ اللهُ في القرآن، فكذَّبوه، وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب، فقال لهم: {إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به}. وإنّ عادا أصابهم حين كفروا قحوط المطر، حتى جهدوا لذلك جهدًا شديدًا، وذلك أنّ هودًا دعا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر، فلما نظروا إليها قالوا: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: ٢٤]، فلمّا دَنَتْ منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلمّا رأوها تَنادَوا: البيوتَ. فلمّا دخلوا البيوتَ دَخَلَتْ عليهم، فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم {في يوم نحس} والنحس: هو الشؤم، و {مستمر} [القمر: ١٩]، استَمَرَّ عليهم العذاب {سبع ليال وثمانية أيام حسوما} [الحاقة: ٧] حَسَمَتْ كُلَّ شيءٍ مَرَّت به. فلما أخرجتهم من البيوت قال الله: {تنزع الناس} من البيوت، {كأنهم أعجاز نخل منقعر} [القمر: ٢٠] انقَعَر من أصوله، {خاوية} [الحاقة: ٧]: خَوَتْ، فسَقَطَتْ. فلمّا أهلكهم الله أرسل إليهم طيرًا سُودًا، فنقلتهم إلى البحر، فألقتهم فيه، فذلك قوله: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} [الأحقاف: ٢٥]، ولم تخرج ريحٌ قطُّ إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنّها عَتَت على الخَزَنَة، فغَلَبَتْهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله: {فأهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: ٦]، والصرصر: ذات الصوت الشديد (١). (ز)

٢٨٠٥٣ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: كانت منازلُ عاد وجماعتِهم حين بعث الله فيهم هودًا الأحقافَ. قال: والأحقاف: الرَّمْلُ فيما بين عمان إلى حضرموت فاليمن كله. وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها، وقهروا أهلَها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله؛ صنم يُقال له: صداءُ، وصنم يقال له: صَمُودُ، وصنم يقال له: الهَباءُ، فبعث الله إليهم هودًا، وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يُوَحِّدوا الله، ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يَكُفُّوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم -فيما يُذْكَر، والله أعلم- بغير ذلك، فأَبَوْا عليه، وكذَّبوه، وقالوا: {من أشد منا قوة} [فصلت: ١٥]. واتبعه منهم ناس، وهم يسير، مُكْتَتِمون إيمانهم، وكان مِمَّن آمن به وصدَّقه رجل من عاد، يُقال له: مرثد بن سعد بن عفير، وكان يكتم إيمانه، فلمّا عَتَوا على الله، وكَذَّبوا نبيهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجَبَّروا، وبَنَوْا بكلِّ رِيعٍ آيةً عبثًا بغير


(١) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>