للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نفع؛ كلمهم هود، فقال: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون} [الشعراء: ١٢٩]. قالوا: {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: ٥٣]. أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا جنونٌ أصابَك به بعضُ آلهتنا هذه التي تعيب. قال: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} إلى قوله: {صراط مستقيم} [هود: ٥٣ - ٥٦]. فلمّا فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطرَ من السماء ثلاث سنين -فيما يزعمون- حتى جهدهم ذلك، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد، فطلبوا إلى الله الفرج منه؛ كانت طلبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناسٌ كثيرٌ شَتّى مختلفة أديانهم، وكلهم مُعَظِّم لمكة، يعرف حرمتها ومكانها من الله (١). (ز)

٢٨٠٥٤ - قال ابن إسحاق: فلمّا أبَوْا إلا الكفرَ به أمْسَكَ اللهُ عنهم القَطْرَ ثلاث سنين -فيما يزعمون- حتى جهدهم ذلك. قال: وكان الناس إذا جهدهم أمرٌ في ذلك الزمان، فطلبوا من الله الفرج فيه؛ إنّما يطلبونه بحُرْمَة ومكان بيته، وكان معروفًا عند المِلَل، وبه العماليق مقيمون، وهم مِن سلالة عِمْلِيقُ بن لاوَذَ بن سام بن نوح، وكان سيِّدُهم إذ ذاك رجلًا يُقال له: معاوية بن بكر، وكانت له أُمٌّ من قوم عاد، واسمها: كَلْهدةَ ابنةَ الخَيْبَرِيِّ، قال: فبَعَثَتْ عادٌ وفدًا قريبًا من سبعين رجلًا إلى الحرم؛ لِيَسْتَسْقوا لهم عند الحرم، فمَرُّوا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة، فنزلوا عليه، فأقاموا عنده شهرًا، يشربون الخمر، وتُغَنِّيهم الجرادتان؛ قَيْنَتانِ (٢) لمعاوية بن بكر، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر، فلمّا طال مقامهم عنده، وأخذته شفقة على قومه، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف، عَمِل شعرًا يُعَرِّض لهم بالانصراف، وأمر القَيْنَتَيْنِ أن تغنياهم به، فقال:

ألا يا قَيْلُ ويحك قم فَهَيْنِمْ ... لعل الله يصبحنا غَماما

فيسقي أرض عاد إنّ عادًا ... قد أمسوا لا يُبِينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهمُ بخير ... فقد أمست نساؤهمُ عَرامى


(١) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٢٦٩، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥٠٨ - ١٥٠٩، ١٥١١ مختصرًا.
(٢) القَيْنَة: الأمَة، وكثيرًا ما تُطْلق على المغنية من الإماء. النهاية (قين).

<<  <  ج: ص:  >  >>