للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نباتًا عجبًا من السرعة، فجلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم، وقالوا في شأن الناقة: ما نصنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة فنسقيه أنعامَنا وحروثَنا كان خيرًا لنا. فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم، فأتاها الغلام، فلما بصرت به شدَّت عليه، فهرب منها، فلما رأى ذلك دخل خلف صخرةٍ على طريقها، فاسْتَتَر بها، فقال: أحيشوها (١) عَلَيَّ. فأحاشوها عليه، فلمّا جازَت به نادوه: عليك. فتناولها، فعقرها، فسقطت، فذلك قوله تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} [القمر: ٢٩]. وأظهروا حينئذ أمرهم، وعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالح، ائتنا بما تعدنا. وفزع ناس منهم إلى صالح، وأخبروه أنّ الناقة قد عقرت، فقال: عَلَيَّ بالفصيل. فطلبوا الفصيل، فوجدوه على رابية من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلقت به في السماء، فلم يقدروا عليه، ثم رغا الفصيل إلى الله، فأوحى الله إلى صالح أن مُرْهُم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فقال لهم صالح: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: ٦٥]، وآية ذلك أن تصبح وجوهكم أول يوم مصفرة، والثاني مُحْمَرَّة، واليوم الثالث مُسْوَدَّة، واليوم الرابع فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفَّنوا، وتَحَنَّطوا، ولطخوا أنفسهم بالمُرِّ (٢)، ولبسوا الأنطاع، وحفروا الأسراب، فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب، فهلكوا، فذلك قوله: فـ {دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل: ٥١] (٣). (ز) (٦/ ٤٦٣)

٢٨١٢١ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: لَمّا أهلك الله عادًا وتَقَضّى أمرُها عَمِرَتْ ثمود بعدها، واستُخْلِفوا في الأرض، فنزلوا فيها، وانتشروا، ثم عَتَوْا على الله، فلمّا ظهر فسادهم وعبدوا غير الله بعث إليهم صالحًا، وكانوا قومًا عربًا، وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا رسولًا. وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْحٍ، وهو وادي القُرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلًا فيما بين الحجاز والشام، فبعث الله إليهم غلامًا شابًّا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِطَ وكَبِرَ، لا يتبعه منهم إلا قليلٌ


(١) الحَيْشُ: الفزع والنفور. النهاية (حيش).
(٢) المُرُّ: دواء كالصَّبِر، سمي به لمرارته. النهاية (مرر).
(٣) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٢٨٤، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥١٢ - ١٥١٥ مختصرًا. وعزا السيوطي أوَّله إلى أبي الشيخ. وجزء منه أخرجه إسحاق البستي في تفسيره، ص ٥٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>