للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت عُصبة من آل عمرو ... إلى دين النبيِّ دعوا شهابا

عزيز ثمود كلهم جميعًا ... فهَمَّ بأن يُجِيب ولو أجابا

لأصبح صالحًا فينا عزيزًا ... وما عدلوا بصاحبهم ذُؤابا

ولكن الغُواةَ مِنَ الِ حُجْرٍ ... تولوا بعد رشدهم ذئابا

فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سَقْبُها (١) في أرض ثمود، ترعى الشجر، وتشرب الماء، فقال لهم صالح - عليه السلام -: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم}. وقال الله لصالح: إنّ الماء {قسمة بينهم كل شرب محتضر} [القمر: ٢٨]. أي: أنّ الماء نصفان: لهم يوم، ولها يوم، وهي مُحْتَضَرَة، فيومها لا تَدَعُ شُرْبَها. وقال: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} [الشعراء: ١٥٥]. فكانَتْ -فيما بلغني، والله أعلم- إذا ورَدَتْ -وكانت تَرِدُ غِبًّا- وضَعَتْ رأسها في بئر في الحِجْر، يُقال لها: بئر الناقة، فيزعمون أنّها منها كانت تشرب، إذا وردت تضع رأسها فيها، فما ترفعه حتى تشرب كُلَّ قطرةِ ماءٍ في الوادي، ثم ترفع رأسها فتفشَّحُ -يعني: تَفَحَّجُ (٢) لهم-، فيحتلبون ما شاءوا من لبن، فيشربون، ويَدَّخِرون، حتى يملئوا كُلَّ آنيتهم، ثم تصدر مِن غير الفجِّ الذي منه ورَدْت، لا تقدر على أن تصدر من حيث تَرِد؛ يضيق عنها، فلا ترجع منه، حتى إذا كان الغدُ كان يومهم، فيشربون ما شاءوا من الماء، ويدَّخرون ما شاءوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سَعَة. وكانت الناقة -فيما يذكرون- تصيفُ إذا كان الحرُّ ظهرَ الوادي، فتهرب منها المواشي؛ أغنامهم وأبقارهم وإبلهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرِّه وجَدْبِه، وذلك أنّ المواشي تنفر منها إذا رأتها، وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضرَّ ذلك بمواشيهم؛ للبلاء والاختبار. وكانت مراتِعُها -فيما يزعمون- الجَنابَ وحِسْمى، كل ذلك ترعى مع وادي الحِجْر، فكَبُر ذلك عليهم، فعَتَوْا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عَقْرِ الناقة رأيَهم. وكانت امرأةٌ من ثمود يُقال لها: عُنَيزةُ بنت غُنمٍ بن مِجْلَزِ، تُكنى بأم غُنمٍ، وهي من بني عبيد بن المهلِ أخي زُمَيلِ بن المهلِ، وكانت امرأة ذُؤابِ بن عمرو، وكانت عجوزًا مُسِنَّة، وكانت ذات بنات حِسان، وكانت ذات مال مِن إبل وبقر


(١) السَّقْب: ولدُ الناقة. لسان العرب (سقب).
(٢) تفشَّح وتَفَحَّج: تُفَرِّج ما بين رِجلَيها. التاج (فشح، فحج).

<<  <  ج: ص:  >  >>