حزنه، وكثر بكاؤه، فقال له حبر الملائكة ورأسُهم: يا ابن عمران، مكانَك حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أنِ اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران، فاعترِضوا عليه. فهبطوا عليه، في يدِ كُلِّ مَلَك مثل النخلة الطويلة نارٌ، أشدّ ضوءًا من الشمس، ولباسهم كلَهَب النار، إذا سَبَّحوا وقدَّسُوا جاوبهم مَن كان قبلهم من ملائكة السموات، كلهم يقولون بشدة أصواتهم: سُبُّوح قُدُّوسٌ ربُّ العِزَّة أبدًا لا يموت. في رأس كل مَلَك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يُسَبِّح معهم حين سَبَّحوا، وهو يبكي، ويقول: ربِّ، اذكرني، ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفَلِتُ مِمّا أنا فيه أم لا؟ إن خرجتُ احترقتُ، وإن مَكَثْتُ مِتُّ. فقال له كبيرُ الملائكة ورئيسُهم: قد أوشكتَ -يا ابن عمران- أن يمتلئ جوفك، وينخلع قلبك، ويشتد بكاؤك؛ فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران. وكان جبلُ موسى جبلًا عظيمًا، فأمر الله أن يحمل عرشه، ثم قال: مُرُّوا بي على عبدي ليراني، فقليل من كثير ما رأى. فانفرج الجبلُ مِن عَظَمة الرب، وغشي ضوء عرش الرحمن جبلَ موسى، ورفعت ملائكة السموات أصواتهم جميعًا، فارتجُّ الجبلُ، فاندَكَّ وكلُّ شجرة كانت فيه، وخرَّ العبدُ الضعيف موسى بن عمران صَعِقًا على وجهه، ليس معه روحه، فأرسل الله الحياة برحمته، فتَغَشّاه الروح برحمته، وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمَعِدَةِ، كهيئة القُبَّة؛ لِئَلّا يحترق موسى، فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع، قال: فقام موسى يُسَبِّح الله، ويقول: آمنتُ أنّك ربي، وصدَّقْتُ أنّه لا يراك أحدٌ فيحيا، ومَن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبُه، فما أعظمك ربِّ وأعظم ملائكتك، أنت رب الأرباب، وإله الآلهة، وملك الملوك، تأمر الجنود الذين هم عبيدك فيطيعونك، وتأمر السماء وما فيها فتطيعك، لا تستنكف من ذلك، ولا يعدلك شيء، ولا يقوم لك شيء، ربِّ تُبْتُ إليك، الحمد لله الذي لا شريك لك، ما أعظمك وأجلَّك، ربَّ العالمين (١)[٢٦٢١]. (ز)
[٢٦٢١] انتقد ابنُ كثير (ت: سلامة ٣/ ٤٧٢) هذا الأثر، فقال: «وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرًا طويلًا، فيه غرائب وعجائب، عن محمد بن إسحاق بن يسار، وكأنّه تلقاه من الإسرائيليات».