للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رحيمًا بالمؤمنين، يبكِي للبهيمةِ المُثْقَلَةِ، ويبكي لليتيم في حِجْر الأرملة، ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا صخّابٍ في الأسواق، ولا مُتَزَيِّنٍ بالفُحْشِ، ولا قوّالٍ لِلْخَنا، لو يَمُرُّ إلى جَنبِ السِّراج لم يُطْفِئْه مِن سكينتِه، ولو يمشي على القَصَبِ الرَّعراعِ -يعني: اليابسَ- لم يُسمَعْ من تحتِ قدميه، أبعَثُه مُبَشِّرًا ونذيرًا، أُسَدِّدُه لِكُلِّ جميل، وأهَبُ له كُلَّ خُلُقٍ كريمٍ، أجعلُ السكينةَ لِباسَه، والبِرَّ شِعارَه، والتقوى ضميرَه، والحِكْمةَ معقولَه، والصدقَ والوفاءَ طبيعتَه، والعفوَ والمغفرةَ والمعروفَ خُلُقَه، والعدلَ سيرتَه، والحقَّ شريعتَه، والهُدى إمامَه، والإسلام مِلَّتَه، وأحمد اسمه، أهدِي به من بعد الضلالةِ، وأُعَلِّمُ به بعد الجهالة، وأرفَعُ به بعدَ الخَمالَةِ (١)، وأُسَمِّي به بعد النَّكَرَةِ، وأُكَثِّرُ به بعد القِلَّةِ، وأُغنِي به بعد العَيْلَةِ، وأَجمَعُ به بعد الفُرقَةِ، وأؤلِّفُ به بين قلوبٍ وأهواءٍ مُتَشَتِّتةٍ وأُمَمٍ مختلفةٍ، وأجعَلُ أُمَّتَه خير أُمَّةٍ أخرِجَتْ للناسِ؛ أمرًا بالمعروفِ، ونهيًا عن المنكرِ، وتوحيدًا لي، وإيمانًا بي، وإخلاصًا لي، وتصديقًا لما جاءت به رسلي، وهم رُعاُة الشمسِ، طوبى لتلك القلوبِ والوجوهِ والأرواحِ التي أخلَصَتْ لي، ألهمتُهم التسبيحَ، والتكبيرَ، والتحميدَ، والتوحيدَ؛ في مساجدِهم، ومجالسِهم، ومضاجِعِهم، ومُنقَلَبِهم، ومثواهم، ويَصُفُّون في مساجدِهم كما تَصُفُّ الملائكةُ حولَ عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقِمُ بهم مِن أعدائي عَبَدَة الأوثانِ، يُصَلُّون لي قيامًا وقعودًا ورُكَّعًا وسُجودًا، ويخرُجون من ديارِهم وأموالِهم ابتغاءَ مرضاتي أُلُوفًا، ويُقاتِلون في سبيلي صُفوفًا وزُحُوفًا، أختِمُ بكتابِهم الكتبَ، وبشريعتِهم الشرائعَ، وبديِنهم الأديانَ، فمَن أدرَكَهم فلم يؤمِن بكتابِهم ويَدخُلْ في دينِهم وشريعتِهم فليس مِنِّي، وهو مِنِّي بريءٌ، وأجعلُهم أفضلَ الأُمَم، وأجعلُهم أُمَّةً وسطًا شهداء على الناس، إذا غضِبُوا هلَّلوني، وإذا قُبِضوا كبَّروني، وإذا تنازَعوا سبَّحوني، يُطَهِّرُون الوجوه والأطراف، ويَشُدُّون الثيابَ إلى الأنصاف، ويُهَلِّلون على التِّلال والأشْراف، قُربانُهم دماؤُهم، وأناجيلُهم صدورُهم، رهبانٌ بالليل لُيوثٌ بالنهار، ينادى مناديِهم في جوٍّ السماء، لهم دويٌّ كدويِّ النحل، طوبى لمن كان معهم وعلى ديِنهم ومناهجِهم وشريعتِهم، ذلك فضلي أوتِيه مَن أشاُء، وأنا ذو الفضلِ العظيمِ (٢). (٦/ ٦٢٠)

٢٩١٦٢ - عن وهب بن منبِّهٍ -من طريق إدريس بن سنان- قال: إنّ الله أوحى في الزَّبورِ: يا داود، إنّه سيأتي مِن بعدك نبيٌّ اسمُه: أحمدُ، ومحمدٌ، صادِقًا نبيًّا، لا


(١) الخامِل: الخفيُّ الساقط. لسان العرب (خمل).
(٢) أخرجه أبو نعيم في الدلائل (٣٣). وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>