للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأخرج منه كهيئة الذر سودًا، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي. فذلك حين يقول: {وأصحاب اليمين} [الواقعة: ٢٧]، {وأصحاب الشمال} [الواقعة: ٤١]. ثم أخذ منهم الميثاق، فقال: {ألست بربكم قالوا بلى}. فأعطاه طائفة طائعين، وطائفة كارهين على وجه التَّقِيَّة، فقال هو والملائكة: {شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم}. فلذلك ليس في الأرض أحدٌ من ولد آدم إلا وهو يعرف أنّ ربَّه الله، ولا مشرك إلا وهو يقول لابنه: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: ٢٣]. وذلك حين يقول الله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}. وذلك حين يقول: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} [آل عمرآن: ٨٣]. وذلك حين يقول: {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: ١٤٩]. يعني: يوم أخذ منهم الميثاق (١) [٢٦٧٨] [٢٦٧٩]. (ز)


[٢٦٧٨] اختُلِف في قائل قوله: {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}؛ فقال السدي: هو خبرٌ من الله عن نفسه وملائكته بشهادتهم على إقرار المقرين بربوبية الله. وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل بعض بني آدم لبعض.
وانتَقَد ابنُ جرير (١٠/ ٥٦٤ - ٥٦٥) القول الأول، وذكر أنّه يُؤَيِّده حديث عبد الله بن عمرو المرفوع -المتقدم في أول تفسير الآية-، وبيَّن أنه لولا ضعفه لحَكَم بصحة هذا القول.
ورجَّح القول الثاني مستندًا إلى ظاهر الآية، فقال: «فالظاهر يدل على أنه خبر من الله عن قيل بني آدم بعضهم لبعض؛ لأنه -جل ثناؤه- قال: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}. فكأنه قيل: فقال الذين شهدوا على المقرين حين أقروا، فقالوا: بلى شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين».
وعلَّق ابنُ عطية (٤/ ٨٦) أنّه على القول الأول يحسن الوقف على {بلى}، وعلى الثاني لا يحسن الوقف عليها.
[٢٦٧٩] انتَقَدَ ابنُ تيمية (٣/ ٢٢٢) ما جاء في أثر السدي من أنّهم انقسموا إلى فريقين؛ مطيع، وكافر، ساعة أخذ الميثاق عليهم. لمخالفته الآثار الثابتة في التسوية بين جميع الناس في الإقرار، فقال: «وقيل: هذا الأثر لا يُوثَق به؛ فإن في تفسير السدي أشياء عرف بطلان بعضها، وهو ثقة في نفسه، وأحسن أحوال هذا وأمثاله أن يكون كالمراسيل إن كان مأخوذًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف إذا كان مأخوذًا عن أهل الكتاب، ولو لم يكن في هذا إلا معارضة لسائر الآثار التي تتضمن التسوية بين جميع الناس في الإقرار لَكَفى».

<<  <  ج: ص:  >  >>