ورجَّحَ ابنُ جرير (١٠/ ٦٢٩ - ٦٣٠) القولَ الأولَ استنادًا إلى إجماع الحجة، فقال: «وأَوْلى القولين بالصواب قولُ مَن قال: عنى بقوله: {فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء} في الاسم، لا في العبادة، وأنّ المعنيَّ بذلك: آدم وحواء؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. فإن قال قائل: فما أنت قائل -إذ كان الأمر على ما وصفتَ في تأويل هذه الآية، وأنّ المعنيَّ بها: آدم وحواء- في قوله: {فتعالى الله عما يشركون}؟ أهو استِنكافٌ من الله أن يكون له في الأسماء شريك، أو في العبادة؟ فإن قلت: في الأسماء. دلَّ على فساده قوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون}. وإن قلتَ: في العبادة. قيل لك: أفكان آدمُ أشرك في عبادة الله غيره؟ قيل له: إنّ القول في تأويل قوله: {فتعالى عما يشركون} ليس بالذي طننتَ، وإنّما القول فيه: فتعالى الله عما يُشرِك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأمّا الخبر عن آدم وحواء فقد انقضى عند قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}، ثم استؤنف قوله: {فتعالى الله عما يشركون}». واستشهد بأثر السديّ. واسْتَدْرَكَ ابنُ عطية (٤/ ١١٠) على كلام ابن جرير الأخير قائلًا: «هذا تَحَكُّمٌ لا يُساعِدُه اللفظُ، ويَتَّجِه أن يُقال: تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم. ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء?، وجاء الضمير في {يشركون} ضمير جمع؛ لأنّ إبليس مُدَبِّرٌ معهما تسمية الولد: عبد الحارث». ورجَّحَ ابنُ كثير (٦/ ٤٨٥ بتصرف) القولَ الثاني مستندًا إلى السياق، فقال: «أمّا نحن فعلى مذهب الحسن البصري? في هذا، وأنّه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك: المشركون من ذريته، ولهذا قال الله: {فتعالى الله عما يشركون} ... ، فذكر آدم وحواء أولًا كالتوطئة لما بعدهم من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذِكر الشخص إلى الجنس، كقوله: {ولَقَدْ زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} الآية [الملك: ٥]، ومعلوم أنّ المصابيح -وهي النجوم التي زينت بها السماء- ليست هي التي يُرْمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن».