للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في جوفي الذي خَوَّفتَني به، ما أستطيع القيام إذا قعدت. قال: أفرأيتِ إن دعوتُ الله فجعله إنسانًا مثلك ومثل آدم؛ أتُسَمِّينه بي؟ قالت: نعم. ثُمَّ انصرف عنها، فقالت لآدم - عليه السلام -: لقد أتاني آتٍ، فزعم أنّ الذي في بطني بهيمةٌ، وإنِّي لَأَجِدُ له ثِقَلًا، وقد خِفْتُ أن يكون مثلَ ما قال. فلم يكن لآدم وحواء هَمٌّ غير الذي في بطنها، فجعلا يدعوان الله؛ {دَعَوا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا} يقولان: لَئِن أعطيتنا هذا الولد سَوِيًّا صالحَ الخَلْق {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} في هذه النعمة. فوَلَدَتْ سَوِيًّا صالِحًا، فجاءها إبليس وهي لا تعرفه، فقال: لِمَ لا تسميه بي كما وعدتِني. قالت: عبد الحرث. فكذَّبها، فسمَّتْه: عبد الحارث، فرَضِي به آدم، فمات الولد، {فَلَمّا آتاهُما صالِحًا} يعني: أعطاهما الولدَ صالحَ الخَلْقِ؛ {جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ} يعني: إبليس شريكًا في الاسم، سمَّتْه: عبد الحارث، فكان الشرك في الطاعة من غير عبادة، ولم يكن شِرْكًا في عبادة ربهم. ثُمَّ انقطع الكلام، فذكر كُفّارَ مكة، فرجع إلى أول الآية، فقال الله: {فَتَعالى اللَّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ} (١). (ز)

٢٩٧٦٣ - عن سفيان: {جعلا له شركاء}، قال: أشركاه في الاسم. قال: وكنية إبليس: أبو كَدُّوسٍ (٢). (٦/ ٧٠٥)

٢٩٧٦٤ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- قال: وُلِد لآدم ولدٌ، فسمّاه: عبدَ الله، فأتاهما إبليس، فقال: ما سمَّيْتُما ابنَكما هذا؟ قال: عبد الله. وكان وُلِد لهما قبلَ ذلك ولد، فسمَّياه: عبدَ الله، فقال إبليس: أتظنّان أنّ الله تاركٌ عبدَه عندَكما، وواللهِ، ليَذْهبَنَّ به كما ذهَب بالآخر، ولكن أدلُّكما على اسمٍ يَبْقى لكما ما بَقِيتما، فسمِّياه: عبدَ شمس. فسمَّياه، فذلك قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا} (٣) [٢٧١٠]. (٦/ ٧٠١)


[٢٧١٠] أفادت الآثارُ الاختلافَ في المراد بقوله تعالى: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} على قولين: أحدهما: أنّ آدم وحواء جعلا له شركاء في الاسم، لا في العبادة. وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والسديّ. والآخر: أنّ المعنيّ بذلك: رجل وامرأة من أهل الكفر، جعلا لله شركاء مِن الآلهة والأوثان حين رزقهما الولد. وهذا قول الحسن.
ورجَّحَ ابنُ جرير (١٠/ ٦٢٩ - ٦٣٠) القولَ الأولَ استنادًا إلى إجماع الحجة، فقال: «وأَوْلى القولين بالصواب قولُ مَن قال: عنى بقوله: {فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء} في الاسم، لا في العبادة، وأنّ المعنيَّ بذلك: آدم وحواء؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. فإن قال قائل: فما أنت قائل -إذ كان الأمر على ما وصفتَ في تأويل هذه الآية، وأنّ المعنيَّ بها: آدم وحواء- في قوله: {فتعالى الله عما يشركون}؟ أهو استِنكافٌ من الله أن يكون له في الأسماء شريك، أو في العبادة؟ فإن قلت: في الأسماء. دلَّ على فساده قوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون}. وإن قلتَ: في العبادة. قيل لك: أفكان آدمُ أشرك في عبادة الله غيره؟ قيل له: إنّ القول في تأويل قوله: {فتعالى عما يشركون} ليس بالذي طننتَ، وإنّما القول فيه: فتعالى الله عما يُشرِك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأمّا الخبر عن آدم وحواء فقد انقضى عند قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}، ثم استؤنف قوله: {فتعالى الله عما يشركون}». واستشهد بأثر السديّ.
واسْتَدْرَكَ ابنُ عطية (٤/ ١١٠) على كلام ابن جرير الأخير قائلًا: «هذا تَحَكُّمٌ لا يُساعِدُه اللفظُ، ويَتَّجِه أن يُقال: تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم. ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء?، وجاء الضمير في {يشركون} ضمير جمع؛ لأنّ إبليس مُدَبِّرٌ معهما تسمية الولد: عبد الحارث».
ورجَّحَ ابنُ كثير (٦/ ٤٨٥ بتصرف) القولَ الثاني مستندًا إلى السياق، فقال: «أمّا نحن فعلى مذهب الحسن البصري? في هذا، وأنّه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك: المشركون من ذريته، ولهذا قال الله: {فتعالى الله عما يشركون} ... ، فذكر آدم وحواء أولًا كالتوطئة لما بعدهم من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذِكر الشخص إلى الجنس، كقوله: {ولَقَدْ زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} الآية [الملك: ٥]، ومعلوم أنّ المصابيح -وهي النجوم التي زينت بها السماء- ليست هي التي يُرْمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن».

<<  <  ج: ص:  >  >>