[٣٦] بيَّن ابنُ جرير (١/ ٢١٨ - ٢٢٠) أنّ القائلين بذلك وجَّهوا ذلك إلى أنّ كلَّ حرف من الحروف المقطعة بعضُ حروفِ كلمةٍ تامة استُغْنِيَ بدلالته عَلى تَمامه عن ذكر تمامه، وإنما أُفْرِد كلُّ حرف من ذلك، وقصَّر به عن تمام حروف الكلمة، أنّ جميعَ حُروف الكلمة لو أُظْهِرت لم تدلّ الكلمة التي تُظهر إلا على معنى واحد، لا على معنيين وأكثر منهما، وإذا كان الله -جل ثناؤه- قد أراد الدلالة بكلّ حرف منها على معانٍ كثيرة لشيء واحد لم يَجُز إلا أن يُفرَد الحرفُ الدالُّ على تلك المعاني، لِيَعلمَ المخاطبون به أنّ الله - عز وجل -لم يقصد بما خاطبهم به مَعنًى واحدًا، وإنما قصد الدلالةَ به على أشياء كثيرة. وانتقد ابنُ كثير (١/ ٢٥٣ - ٢٥٤ بتصرف) هذا التوجيه بقوله: «هذا ليس كما ذكره أبو العالية -يعني الأثر السابق-، فإنّ أبا العالية زعم أنّ الحرف دلَّ على هذا، وعلى هذا، وعلى هذا معًا ... ، ودلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره، فهذا مما لا يُفْهَم إلا بتوقيف، والمسألة مختلف فيها، وليس فيها إجماع حتى يُحكَم به».