للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل {الم}؛ قالوا: قد كُنّا نعلم أن هذه الأمة مبعوثة، وكنا لا ندري كم مدتها، فإن كان محمد صادقًا فهو نبي هذه الأمة، قد بُيّن لنا كم مدة محمد -لأن {الم} في حساب جُمَّلِهم (١) إحدى وسبعون سنة-، فما نصنع بدين إنما هو واحد وسبعون سنة؟! فلمّا نزلت {الر} -وكانت في حساب جُمَّلهم مائتي سنة وإحدى وثلاثين سنة-، فقالوا: هذه الآن مائتان وإحدى وثلاثون سنة، وواحدة وسبعون. قيل: ثم أُنزل {المر} -فكان في حساب جُمَّلِهم مائتي سنة وإحدى وسبعين سنة- في نحو هذا من صدور السور. فقالوا: قد التبس علينا أمرُه (٢). (١/ ١٢٦)

٢٨٥ - وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي أسماء السور المُفْتَتَحَة بها (٣) [٣٧]. (ز)


[٣٧] رجَّح ابنُ جرير (١/ ٢٢٣ - ٢٢٥) أنّ الحروف المقطعة في فواتح السور تحوي سائر ما قاله مفسرو السلف؛ لأن الله -جلّ ثناؤه- لو أراد بذلك الدلالة على معنًى واحد دون سائر المعاني غيره لأبان ذلك لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي تركه - صلى الله عليه وسلم - إبانةَ ذلك أوضحُ الدليل على أنه مُرادٌ به جميعُ وجوهه التي هو لها محتمل، إذ لم يكن مستحيلًا في العقل وجهٌ منها أن يكون من تأويله ومعناه، كما كان غير مستحيل اجتماعُ المعاني الكثيرة للكلمة الواحدة باللفظ الواحد في كلام واحد.
ونقل ابنُ عطية (١/ ٩٩ - ١٠١) اختلافًا في التكلم في تفسير الحروف المقطعة، أو الامتناع عن تفسيرها، ثم قال: «والصواب ما قاله الجمهور: أن تُفَسَّر هذه الحروف، ويُلْتَمَس لها التأويل».
وعلَّق ابنُ كثير (١/ ٢٥٥ - ٢٥٧)، فقال: «ولم يُجمِع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمَن ظهر له بعض الأقوال بدليلٍ فعليه اتِّباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين».
وفي بيان الحكمة من إيراد هذه الحروف في أوائل السور نقل ابنُ كثير (١/ ٢٥٧) قولَ مَن قال: «إنما ذُكِرَت هذه الأحرف في أوائل السور التي ذُكِرَت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها». ثم رجَّح ذلك بقوله: «ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: {ألم * ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ١ - ٢]، {الم (١) اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ (٢) نزلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} [آل عمران: ١ - ٣]، {المص (١) كِتابٌ أُنزلَ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ} [الأعراف: ١ - ٢]، {الر كِتابٌ أنزلْناهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم: ١] ... وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لِمَن أمْعَن النظر».

<<  <  ج: ص:  >  >>