للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قريش: أن انفِرُوا، فاحمُوا عِيرَكم من محمد وأصحابه؛ فإنه قد استَنْفَر أصحابَه ليَعرِضُوا لنا.

وكانت عاتكة بنتُ عبد المطلب ساكنةً بمكة، وهي عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب، فرأت رؤيا قبل بدر، وقبل قدوم ضَمْضَمٍ عليهم، ففزِعتْ منها، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها، فجاءها العباس، فقالت: رأيتُ الليلة رُؤْيا قد أشفَقتُ منها، وخشِيتُ على قومِك منها الهَلَكة. قال: وماذا رأيتِ؟ قالت: لن أُحدِّثَك حتى تعاهِدَني أنك لا تذكُرُها؛ فإنهم إن سمِعوها آذَوْنا، وأسمعُونا ما لا نحبُّ. فعاهَدَها العباس، فقالت: رأيتُ راكبًا أقبَل من أعلى مكة على راحلته، يصيح بأعلى صوته: يا لَغُدُرُ، اخرُجوا في ليلتين أو ثلاث. فأقبَل يصيحُ حتى دخل المسجد على راحلتِه، فصاح ثلاث صيحات، ومال عليه الرجال والنساء والصبيان، وفزِعَ له الناس أشدَّ الفزع، قالت: ثم أُراهُ مَثَلَ على ظهر الكعبة على راحلتِه، فصاح ثلاث صيحات، فقال: يا لَغُدُرُ، ويا لَفُجَرُ، اخرُجوا في ليلتين أو ثلاث. ثم أُراهُ مَثَلَ على ظهر أبي قُبَيْسٍ (١) كذلك يقول: يا لَغُدُرُ، ويا لَفُجَرُ. حتى أسمَعَ مَن بينَ الأخْشَبَيْن (٢) من أهل مكة، ثم عمَدَ إلى صخرة فنزعها مِن أصلها، ثم أرْسَلَها على أهل مكة، فأقبلت الصخرة لها حسٌّ شديد، حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفَضَّت (٣)، فلا أعلمُ بمكة دارًا ولا بيتًا إلا وقد دخَلَتها فِلْقةٌ من تلك الصخرة، فقد خشيتُ على قومك. ففزِعَ العباس من رؤياها، ثم خرج من عندها فلَقِيَ الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر تلك الليلة، وكان الوليد خليلًا للعباس، فقصَّ عليه رؤيا عاتكة، وأمره ألا يذكُرها لأحد، فذكَرَها الوليد لأبيه عتبة، وذكَرَها عتبة لأخيه شيبة، فارتفَعَ الحديث حتى بلَغَ أبا جهل بن هشام، واستفاض في أهل مكة. فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت، فوجد في المسجد أبا جهل، وعتبة وشيبة ابنيْ ربيعة، وأميةَ وأُبَيًّا ابنيْ خَلَف، وزَمْعَةَ بن الأسود، وأبا البَخْتريّ في نفرٍ من قريش يتحدَّثون، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل: يا أبا الفضل، إذا قضيتَ طوافَك فهلُمَّ إلينا. فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم، فقال له أبو جهل: ما


(١) أبو قبيس: هو الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قُعَيْقِعان. معجم البلدان ١/ ١٠٢.
(٢) الأخشبان: جبلان يضافان تارة إلى مكة، وتارة إلى منى، وهما واحد، أحدهما أبو قبيس، والآخر قعيقعان، ويقال: بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر. معجم البلدان ١/ ١٦٣.
(٣) أي: تفرقت. النهاية (رفض).

<<  <  ج: ص:  >  >>