للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رؤيا رأَتْها عاتكة؟ فقال: ما رأَتْ من شيء. فقال أبو جهل: أما رضِيتُم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتُمونا بكذب النساء؟ إنّا وإياكم كفَرَسَيْ رِهانٍ، فاسْتَبَقْنا المجدَ منذُ حين، فلما تحاكَّتِ الرُّكَبُ قلتُم: منّا نبيٌّ. فما بقِيَ إلا أن تقولوا: مِنّا نَبِيَّةٌ. فما أعلمُ في قريش أهل بيتٍ أكذبَ امرأة ولا رجلًا منكم. وآذاهُ أشدَّ الأذى، وقال أبو جهل: زعمتْ عاتكة أن الراكب قال: اخرُجوا في ليلتين أو ثلاث. فلو قد مضتْ هذه الثلاثُ تبيَّنتْ قريشٌ كذِبَكم، وكتَبْنا سِجِلًّا أنكم أكذَبُ أهل بيت في العرب رجلًا وامرأة، أما رضيتمُ يا بني قُصَيٍّ إن ذهَبتم بالحِجابة، والنَّدوة، والسِّقاية، واللواء، والرِّفادة، حتى جئتُمونا بنبيٍّ منكم؟! فقال العباس: هل أنتَ مُنتهٍ؟ فإنّ الكذبَ منك وفي أهل بيتك. فقال مَن حضَرَهما: ما كنتَ يا أبا الفضل جهولًا ولا خَرِقًا. ولقِيَ العباس من عاتكة فيما أفْشى عليها من رؤياها أذىً شديدًا. فلما كان مساءُ الليلة الثالثة من الليلة التي رأتْ عاتكة فيها الرؤيا، جاءَهم الراكب الذي بعَثَ أبو سفيان، وهو ضَمْضَمُ بن عمرو الغِفاري، فصاح وقال: يا آل غالب بن فِهْرٍ، انفِرُوا، فقد خرَجَ محمد وأهل يثرب يعترِضُون لأبي سفيان، فأحرِزُوا (١) عِيرَكم. ففَزِعتْ قريشٌ أشدَّ الفزع، وأشفقُوا مِن رؤيا عاتكة. وقال العباس: هذا زعمتم كذا، وكذَّبَ عاتكة. فنفرُوا على كلِّ صَعْبٍ وذَلول، وقال أبو جهل: أيظُنُّ محمدٌ أن يصيبَ مثلَ ما أصابَ بِنَخْلَةَ (٢)؟! سيعلمُ أنمنعُ عيرَنا أم لا. فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقُوا مائة فرس، ولم يَتْرُكوا كارهًا للخروج يظنُّون أنه في صَغْوِ (٣) محمدٍ وأصحابه، ولا مسلمًا يعلمُون إسلامَه، ولا أحدًا من بني هاشم -إلا مَن لا يتَّهمون- إلا أشْخَصُوه معهم، فكان مِمَّن أشْخَصُوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وعقيلُ بن أبي طالب في آخرين. فهنالك يقول طالب بن أبي طالب:

لاهُمَّ إمّا يخرُجَنَّ طالبْ

بمِقْنَبٍ من هذه المقانِبْ (٤)

في نفَرٍ مُقاتلٍ يُحاربْ


(١) أحرز الشيء: إذا حفظه وضمه إليه وصانه عن الأخذ. النهاية (حرز).
(٢) نخلة: موضع بين مكة والطائف. وقد قتل فيه عمرو بن الحضرمي؛ قتله عبد الله بن جحش في سرية بعثها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي التي أشار إليها أبو جهل في كلامه. اللسان (نخل)، والبداية والنهاية ٥/ ٣٦ - ٤٤.
(٣) الصَّغْو: الميل. يقال: صغا إليه يصغى ويصغو صَغْوًا وصُغُوًّا وصغًا: مال. اللسان (صغو).
(٤) المِقْنَب -بالكَسْر-: جَماعة الخيْل والفُرْسان. النهاية (قنب).

<<  <  ج: ص:  >  >>