للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليكن المسلوبَ غيرَ السّالبْ

والرّاجعَ المغْلوبَ غيرَ الغالبْ

فسارُوا حتى نزَلُوا الجُحْفَة، نزلُوها عِشاءً يتزوَّدُون من الماء، وفيهم رجل من بني المطلب بن عبد مَناف، يقال له: جُهَيْمُ بن الصَّلت بن مَخْرَمة. فوَضَعَ جُهَيْمٌ رأسَه فأغْفى، ثم فزِع، فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقَفَ عَلَيَّ آنِفًا؟ فقالوا: لا، إنك مجنون. فقال: قد وقَفَ عَلَيَّ فارسٌ آنِفًا، فقال: قُتِل أبو جهل، وعُتبة، وشيبة، وزَمْعَة، وأبو البَخْتَرِيّ، وأُميَّةُ بن خلف. فعدَّ أشرافًا مِن كفار قريش، فقال له أصحابه: إنما لعِب بك الشيطان. ورُفِع حديثُ جُهَيمٍ إلى أبي جهل، فقال: قد جئتُم بكذِب بني المطلب مع كذب بني هاشم، سَتَرَوْنَ غدًا مَن يُقتَلُ.

ثم ذُكرَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عِيرُ قريش، جاءتْ من الشام وفيها أبو سفيان بن حرب، ومَخْرَمةُ بن نَوْفَل، وعمرو بن العاصي، وجماعةٌ مِن قريش، فخرَج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلَك حينَ خرج إلى بدر على نَقْبِ (١) بني دينار، ورجَعَ حين رجَعَ من ثَنِيَّة الوَداع، فنَفَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نَفَرَ ومعه ثلاثُمائةٍ وستةَ عشرَ رجلًا -وفي رواية ابن فُلَيْح: ثلاثُمائةٍ وثلاثةَ عشرَ رجلًا-، وأَبْطَأَ عنه كثير من أصحابه، وتَرَبَّصُوا، وكانت أولَ وقْعةٍ أعزَّ الله فيها الإسلام. فخرج في رمضان على رأس ثمانيةَ عشرَ شهرًا من مَقْدَمِه المدينة، ومعه المسلمون لا يُريدون إلا العِير، فسَلَك على نَقْبِ بني دينار، والمسلمون غيرُ مُقْوِين (٢) من الظَّهْر، إنما خرَجُوا على النَّواضِح (٣)، يعتقِبُ النفرُ منهم على البعير الواحد، وكان زَميلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بن أبي طالب، ومَرْثَدَ بن أبي مَرْثَدٍ الغَنَوي حليفَ حمزة، فهم معه ليس معهم إلا بعيرٌ واحد، فسارُوا، حتى إذا كانوا بعِرْقِ الظُّبْيَة (٤) لَقِيَهم راكبٌ من قِبَلِ تِهامة، والمسلمون يسيرُون، فوافَقَه نفرٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألُوه عن أبي سفيان، فقال: لا عِلمَ لي به. فلما يَئِسُوا مِن خبره قالوا له: سلِّم على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: وفيكم رسول الله؟! قالوا: نعم. قال: أيُّكم هو؟ فأشاروا له إليه، فقال الأعرابي: أنتَ رسول الله كما تقول؟ قال: «نعم». قال: إن كنتَ رسول الله كما تزعُمُ فحدِّثني


(١) النَّقْبُ: هو الطريق بين الجبلين. النهاية (نقب).
(٢) مقوون: كاملو أداة الحرب. اللسان (قوي).
(٣) النواضح من الإبل: التي يستقى عليها. اللسان (نضح).
(٤) عرق الظبية: موضع بين مكة والمدينة. معجم البلدان ٣/ ٥٧٤، ٦٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>