للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هؤلاء النفر قبل التقاءِ الجَمْعَين، وعَجَّ المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأَوُا القتال قد نَشِبَ، ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْه إلى الله يسأله ما وعَدَه، ويسأله النصر، ويقول: «اللهمَّ إن ظُهِر على هذه العصابة ظَهَر الشِّرْكُ، ولم يقُمْ لك دينٌ». وأبو بكر يقول: يا رسول الله، والذي نفسي بيده لَيَنصُرَنَّك الله، ولَيُبَيِّضَنَّ وجهَك. فأنزل الله من الملائكة جُندًا في أكْنافِ العدو، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد أنزل الله نصره، ونزلت الملائكة، أبشِرْ يا أبا بكر، فإني قد رأيتُ جبريل مُعْتَجِرًا (١) يقود فرسًا بين السماء والأرض، فلما هبَط إلى الأرض جلس عليها، فتَغيَّب عني ساعة، ثم رأيتُ على شَفَتِه غُبارًا».

وقال أبو جهل: اللهمَّ انصُرْ خيرَ الدِّينَيْن، اللهم ديننا القديم ودين محمد الحديث. ونكَص الشيطان على عَقِبَيه حين رأى الملائكة، وتَبَرَّأ من نُصرة أصحابه، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِلءَ كفِّه من الحَصْباءِ (٢)، فرمى بها وجوهَ المشركين، فجعل الله تلك الحَصْباءَ عظيمًا شأنُها، لم تترُكْ من المشركين رجلًا إلا ملأَت عينيه، والملائكة يقتُلونهم ويأسِرونهم، ويجِدون النفرَ كلَّ رجلٍ منهم مُنكَبًّا على وجهه لا يدري أين يتوجَّهُ، يُعالِجُ التراب ينزِعُه من عينيه. ورجَعت قريش إلى مكة مُنهَزِمين مَغلوبين، وأذلَّ الله بوقعة بدر رقابَ المشركين والمنافقين، فلم يبقَ بالمدينة منافقٌ ولا يهوديٌّ إلا وهو خاضعٌ عنقُه لوقعة بدر، وكان ذلك يوم الفرقان، يوم فرَّق الله بين الشرك والإيمان، وقالت اليهود تيقُّنًا: إنه النبي الذي نجد نعته في التوراة، والله لا يرفعُ رايةً بعد اليوم إلا ظهرت.

ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فدخل من ثَنِيَّةِ الوداع، ونزَل القرآن يُعَرِّفُهم الله نعمتَه فيما كرِهوا من خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فقال: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} هذه الآية وثلاثَ آيات معها، وقال فيما استجاب للرسول وللمؤمنين: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} الآية وأخرى معها، وأنزَل فيما غشِيَهم من النُّعاس: «إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ» الآية، ثم أخبَرهم بما أوحى إلى الملائكة من نصرِهم، فقال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم} الآية والتي بعدها، وأنزَل في قتلِ المشركين والقبضةِ التي رمى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فلم تقتلوهم ولكن


(١) الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئًا تحت ذَقَنِهِ. النهاية (عجر).
(٢) الحَصْباءُ: الحصى الصغار. النهاية (حصب).

<<  <  ج: ص:  >  >>