وقال ابنُ القيم (١/ ٤٣٩): «اعتقد جماعةٌ أن المراد بالآية سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلًا في الجبر وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده، وهذا غلط منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال، فيقال: ما صليت إذ صليت، وما صمت إذ صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم؛ إذ لا فرق، فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها أو رميه وحده تناقضوا، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية. وبعد، فهذه الآية نزلت في شأن رميه المشركين يوم بدر بقبصة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه مبدأ الرمي، وهو الحذف، ومن الله? نهايته، وهو الإيصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه، ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته، ونظير هذا قوله في الآية نفسها: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}، ثم قال: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، فأخْبَرَه أنه هو وحده هو الذي تفرد بقتلهم، ولم يكن ذلك بكم أنتم، كما تفرد بإيصال الحصى إلى أعينهم، ولم يكن ذلك من رسوله، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه أقام أسبابًا ظاهرة؛ كدفع المشركين، وتولى دفعهم وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافًا إليه به، وهو خير الناصرين».وبنحوه قال ابنُ جرير (١١/ ٨٢ - ٨٣)، وكذا ابنُ عطية (٤/ ١٥٦ - ١٥٧).وذكر ابنُ عطية أن قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} يحتمل احتمالات: الأول: أن يكون مرادًا به ما أيضًا ما في قوله: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}. الثاني: أن يريد، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك، ولكن الله رماه، وذكر أنه منصوص في المهدوي وغيره. الثالث: أن يريد: وما أغنيت إذ رميت حصياتك، ولكن الله رمى، أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول في الدعاء: رمى الله لك، أي: أعانك وصنع لك. وذكر أن أبا عبيدة حكاه في كتاب المجاز.