للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَتَلَهُمْ وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمى}، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صافَّ المشركين، دعا بثلاث قبضات من حصى الوادي ورَمْلِه، فناوله عليُّ بن أبي طالب، فرمى بها في وجوه العدو، وقال: «اللهم أرْعِب قلوبهم، وزلزل أقدامهم». فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية، فانهزموا عند الرمية الثالثة، وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، فذلك قوله: {ولِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاءً حَسَنًا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (١). (ز)

٣٠٤٢٨ - عن سفيان الثوري، {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، قال: رمى الرمي بالتراب حين قال: «شاهت الوجوه» (٢). (ز)

٣٠٤٢٩ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: قال الله - عز وجل - في رمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: {ولكن الله رمى}. أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم (٣). (ز)

٣٠٤٣٠ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وما رميت إذ رميت}، قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ حَصَيات، فرَمى بحَصاةٍ في ميمنة القوم، وحصاةٍ في ميسرة القوم، وحصاةٍ بين أظْهُرِهم، فقال: «شاهَتِ الوجوه». فانْهزَموا (٤) [٢٧٧٠]. (٧/ ٧٢)


[٢٧٧٠] قال ابن تيمية (٣/ ٢٥٦): «في قوله: {فلم تقتلوهم} الآية ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مبني على أن الفعل المتولد ليس من فعل الآدمي، بل من فعل الله، والقتل هو الإزهاق وذاك متولد، وهذا قد يقوله من ينفي التولد وهو ضعيف؛ لأنه نفى الرمي أيضًا، وهو فعل مباشر، ولأنه قال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [البقرة: ٥٤]. وقال: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} [النساء: ٩٣]، فأثبت القتل. ولأن القتل هو الفعل الصالح للإزهاق، ليس هو الزهوق، بخلاف الإماتة. الثاني: أنه مبني على خلق الأفعال، وهذا قد يقوله كثير من الصوفية، وأظنه مأثورًا عن الجُنَيْد: سلب العبد الفعل نظرًا إلى الحقيقة؛ لأن الله هو خالق كل صانع وصنعته، وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أنّا وإن قلنا بخلق الفعل، فالعبد لا يُسْلَبُه، بل يضاف الفعل إليه أيضًا، فلا يقال: ما آمنت ولا صليت ولا صمت ولا صدقت ولا علمت، فإن هذا مكابرة؛ إذ أقل أحواله الاتصاف، وهو ثابت. وأيضًا فإن هذا لم يأت في شيء من الأفعال المأمور بها إلا في القتل والرمي ببدر، ولو كان هذا لعموم خلق الله أفعال العباد لم يختص ببدر. الثالث: أن الله سبحانه خرق العادة في ذلك، فصارت رءوس المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة، وصارت الجريدة تصير سيفًا يقتل به. وكذلك رمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابت مَن لم يكن في قدرته أن يصيبه، فكان ما وجد من القتل وإصابة الرمية خارجًا عن قدرتهم المعهودة؛ فسلبوه لانتفاء قدرتهم عليه. وهذا أصح، وبه يصح الجمع بين النفي والإثبات {وما رميت} أي: ما أصبت {إذ رميت} إذ طرحت {ولكن الله رمى} أصاب. وهكذا كل ما فعله الله من الأفعال الخارجة عن القدرة المعتادة بسبب ضعيف كإنباع الماء، وغيره من خوارق العادات، أو الأمور الخارجة عن قدرة الفاعل. وهذا ظاهر، فلا حجة فيه لا على الجبر، ولا على نفي التولد».
وقال ابنُ القيم (١/ ٤٣٩): «اعتقد جماعةٌ أن المراد بالآية سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلًا في الجبر وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده، وهذا غلط منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال، فيقال: ما صليت إذ صليت، وما صمت إذ صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم؛ إذ لا فرق، فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها أو رميه وحده تناقضوا، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية. وبعد، فهذه الآية نزلت في شأن رميه المشركين يوم بدر بقبصة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه مبدأ الرمي، وهو الحذف، ومن الله? نهايته، وهو الإيصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه، ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته، ونظير هذا قوله في الآية نفسها: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}، ثم قال: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، فأخْبَرَه أنه هو وحده هو الذي تفرد بقتلهم، ولم يكن ذلك بكم أنتم، كما تفرد بإيصال الحصى إلى أعينهم، ولم يكن ذلك من رسوله، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه أقام أسبابًا ظاهرة؛ كدفع المشركين، وتولى دفعهم وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافًا إليه به، وهو خير الناصرين».وبنحوه قال ابنُ جرير (١١/ ٨٢ - ٨٣)، وكذا ابنُ عطية (٤/ ١٥٦ - ١٥٧).وذكر ابنُ عطية أن قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} يحتمل احتمالات: الأول: أن يكون مرادًا به ما أيضًا ما في قوله: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}. الثاني: أن يريد، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك، ولكن الله رماه، وذكر أنه منصوص في المهدوي وغيره. الثالث: أن يريد: وما أغنيت إذ رميت حصياتك، ولكن الله رمى، أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول في الدعاء: رمى الله لك، أي: أعانك وصنع لك. وذكر أن أبا عبيدة حكاه في كتاب المجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>