للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٠٦٤٩ - عن عبد الله بن عباس -من طريق مجاهد-: أنّ نفرًا من قريش ومن أشراف كلِّ قبيلة اجتمَعوا لِيَدْخلوا دار الندوة، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رَأَوْه قالوا: مَن أنت؟ قال: شيخٌ من أهل نَجْد، سمعتُ بما اجتمَعْتم له؛ فأرَدْتُ أن أحضُرَكم، ولن يَعْدَمَكم مِنِّي رَأْي ونصح. قالوا: أجل، فادخل. فدخل معهم، فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، فواللهِ، لَيُوشِكَنَّ أن يُواتِيَكم (١) في أمركم بأمره. فقال قائل: احبِسوه في وثاق، ثم تَرَبَّصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن كان قبله مِن الشعراء؛ زُهَيرٌ ونابِغَة، فإنما هو كأحدهم. فقال عدوُّ الله الشيخُ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأْي، والله لَيَخْرُجَنَّ رأْيُه مِن مَحْبِسِه لأصحابه، فلَيُوشِكَنَّ أن يَثِبوا عليه حتى يأخذوه مِن أيديكم، ثم يمنعوه منكم، فما آمَنُ عليكم أن يُخْرِجوكم مِن بلادكم، فانظروا في غير هذا الرَّأْي. فقال قائل منهم: فأخْرِجوه مِن بين أظهركم فاستريحوا منه، فإنه إذا خرج لم يضُرَّكم ما صَنَع وأين وقَع، وإذا غاب عنكم أذاهُ استرحتم منه، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأْي، ألَمْ تَرَوْا حلاوة قوله، وطَلاقة لسانه، وأَخْذَه للقلوب بما يُستَمَعُ مِن حديثه، والله لئن فعلتم ثم اسْتَعْرَض العربَ لَتَجْتَمِعَنَّ إليه، ثم لَيَسِيرَنَّ إليكم حتى يُخْرِجَكم مِن بلادكم ويَقْتُلَ أشرافكم. قالوا: صدَق والله، فانظروا رَأْيًا غير هذا. فقال أبو جهل: والله، لَأُشِيرَنَّ عليكم برأيٍ أبْصَرْتُموه بعد، ما أرى غيرَه. قالوا: وما هذا؟ قال: نأخذ مِن كلِّ قبيلة غلامًا وسِيطًا (٢) شابًّا نَهْدًا (٣)، ثم يُعْطى كلُّ غلام منهم سيفًا صارِمًا، ثم يضربونه، يعني: ضربةَ رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرَّق دمُه في القبائل كلِّها، فلا أظنُّ هذا الحيَّ من بني هاشم يَقْدِرون على حرب قريش كلِّهم، وإنّهم إذا رَأَوْا ذلك قَبِلوا العَقْلَ (٤)، واسترحنا وقطَعْنا عنّا أذاه. فقال الشيخ النَّجديُّ: هذا والله هو الرأي، القولُ ما قال الفتى، لا أرى غيرَه. فتفرَّقوا على ذلك وهم مُجْمِعُون له، فأتى جبريلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمَره ألّا يَبِيتَ في


(١) المُواتاةُ: حسنُ المُطاوعة والموافقة. النهاية (أتى).
(٢) الوسيط: الحسيب في قومه. النهاية (وسط).
(٣) النهد: القوي الضخم. النهاية (نهد).
(٤) العقل: الدية. النهاية (عقل).

<<  <  ج: ص:  >  >>