للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأمر عامرَ بن فُهَيرة فكتب لي في رُقعةٍ من أديم، ثم مضى (١).

قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير: أنّه (٢) لَقِيَ الزبيرَ ورَكْبًا من المسلمين، كانوا تجارًا بالشام قافلين إلى مكة، فعرَّضوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ بثيابٍ بياضٍ (٣)، وسمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا يَغْدُون كُلَّ غداةٍ إلى الحَرَّة، فينتظرونه حتى يؤذيَهم حَرُّ الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظاره، فلما أوَوْا إلى بيوتهم أوفى رجلٌ من يهودَ أُطُمًا (٤) من آطامهم لأمرٍ ينظر إليه، فبَصُرَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مُبَيَّضينَ، يزول بهم السرابُ، فلم يتناهى اليهوديُّ أن نادى بأعلى صوته: يا معشرَ العرب، هذا جَدُّكُم (٥) الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقَّوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتَوه بظَهرِ الحرَّة، فعدل بهم ذاتَ اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء، وذلك يوم الاثنين من شهرِ ربيعٍ الأول، فقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يُذَكِّرُ الناسَ، وجلس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صامتًا، وطَفِق مَن جاء مِن الأنصار مِمَّن لم يكن رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يحسَبُه أبا بكرٍ، حتى أصابت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الشمسُ، فأقبل أبو بكر حتى ظلَّل عليه برادئه، فعرف الناسُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك، فلَبِث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوفٍ بضعَ عشْرةَ ليلةً، وابتَنى المسجدَ الذي أُسِّسَ على التقوى، وصلّى فيه، ثم ركب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -راحلته، فسار ومشى الناسُ، حتى بَرَكتْ به عند مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهو يُصلِّي فيه يومئذٍ رجالٌ مِن المسلمين، وكان مِرْبَدًا للتمر لسهلٍ وسُهَيلٍ -غلامين يتمين أخوين في حَجْرِ أبي أُمامة أسعدَ بن زُرارة من بني النجار- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بَرَكَتْ به راحلتُه: «هذا المنزِلُ، إن شاء الله». ثم دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغلامين، فساوَمَهما بالمِرْبَدِ يتَّخِذُه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهَبُه لك، يا رسول الله. فأبى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقبَلَه منهما حتى ابتاعه منهما، وبناه مسجدًا، وطفِق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل معهم اللَّبن في بنائه، وهو يقول:

هذا الحِمالُ لا حِمالُ خيبر ... هذا أبرُّ ربَّنا وأطهَرْ

اللهمَّ إن الأجرَ أجرُ الآخره ... فارحم الأنصارَ والمهاجِره


(١) أخرجه البخاري ٥/ ٦٠ (٣٩٠٦).
(٢) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) وعرَّضوهما بثياب: أهدَوا لهما، يقال: عرضْتُ الرجل. إذا أهديتَ له. النهاية ٣/ ٢١٥.
(٤) الأطم: أبنية مرتفعة كالحصون. النهاية (أطم).
(٥) الجَدُّ: الحظُّ والسَّعادة والغنى. النهاية (جدد).

<<  <  ج: ص:  >  >>