للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في أنفسهم من الكُرْه لذلك الوجه؛ لِما فيه، مع ما عَظَّموا من ذِكْرِ الروم وغزوِهم. ثم إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَدَّ في سفره، فأمر الناس بالجهاد والانكِماشِ (١)، وحضَّ أهل الغِنى على النفقة والحُمْلانِ في سبيل الله. فلمّا خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب عسكره على ثَنِيَّة الوداع، وضرب عبد الله بن أُبَيّ بن سلول عسكره على ذي حِدَةٍ أسفل منه، نحو ذُبابٍ؛ جبل بالجَبّانَةِ (٢) أسفل من ثَنِيَّة الوداع، وكان -فيما يزعمون- ليس بأقَلِّ العَسْكَرَيْن، فلمّا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخلَّف عنه عبد الله بن أُبَيٍّ فيمَن تَخَلَّف من المنافقين وأهل الرَّيْب، وكان عبد الله بن أُبَيٍّ أخا بني عوف بن الخزرج، وعبد الله بن نَبْتَلٍ أخا بني عمرو بن عوف، ورِفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا مِمَّن يكيد للإسلام وأهله (٣). (ز)

٣٢٥٦٠ - عن عاصم بن عمر بن قتادة =

٣٢٥٦١ - وعبد الله بن أبي بكر بن حزمٍ: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلَّما كان يخرُجُ في وجهٍ من مغازيه إلّا أظهر أنّه يريدُ غيرَه، غيرَ أنّه في غزوة تبوك قال: «يا أيها الناسُ، إنِّي أُريدُ الروم». فأعلَمَهم، وذلك في زمان البأس، وشِدَّةٍ مِن الحَرِّ، وجَدْب البلادِ، وحين طابت الثمارُ، والناسُ يُحِبُّون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشُّخوص عنها، فبينما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم في جهازه إذ قال للجَدِّ بن قيس: «يا جَدُّ، هل لك في بنات بني الأصفر؟». قال: يا رسول الله، لقد علِم قومي أنّه ليس أحدٌ أشدَّ عجبًا بالنساء مِنِّي، وإنِّي أخافُ إن رأيتُ نساءَ بني الأصفر أن يفتِنَّني، فأْذَن لي، يا رسول الله. فأعرض عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «قد أذِنتُ». فأنزل الله - عز وجل -: {ومنهُم من يقُولُ ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطُوا}. يقولُ: ما وقع فيه من الفتنة بتخلُّفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبته بنفسه عن نفسه أعظمُ مِمّا يخافُ مِن فتنة نساء بني الأصفر، {وإنّ جهنَّم لمحيطة بالكافرين} يقول: من ورائه. وقال رجلٌ من المنافقين: لا تنفروا في الحَرِّ. فأنزل الله - عز وجل -: {قُلْ نارُ جهنَّم أشدُّ حرًا لو كانُوا يفقهُون}. قال: ثُمَّ إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَدَّ في سفره، وأمَرَ الناس بالجهاز، وحضَّ أهل الغنى على النفقة والحُمْلان (٤) في سبيل الله، فحمل رجالٌ من أهل الغِنى،


(١) الانكماش: الإسراع والعزم والجد. ينظر اللسان (كمش).
(٢) الجَبّانة -بالتشديد-: الصحراء. لسان العرب (جبن).
(٣) أخرجه ابن جرير ١١/ ٤٨٩.
(٤) الحُمْلان: ما يُحمل عليه من الدواب. لسان العرب (حمل).

<<  <  ج: ص:  >  >>