ورجَّح ابنُ جرير (١١/ ٥٢٣) القول الثاني مستندًا إلى السنة، والدلالة العقلية، وانتَقَد الأولَ، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندي: أنّ الله جعل الصدقة في معنيين: أحدهما: سَدُّ خُلَّة المسلمين. والآخر: معونة الإسلام وتقويته، فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغني والفقير؛ لأنه لا يعطاه مَن يُعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يُعطاه معونة للدين، وذلك كما يُعْطى الذي يُعْطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا؛ للغزو، لا لِسَدِّ خُلَّته. وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام، وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَن أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام، وعزَّ أهلُه، فلا حُجَّة لِمُحْتَجٍّ بأن يقول: لا يُتَأَلَّف اليومَ على الإسلام أحد؛ لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم. وقد أعطى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَن أعطى منهم في الحال التي وصفتُ». وعلَّق ابنُ عطية (٤/ ٣٤٥) بعد ذكره لهذا القول بقوله: «وإذا تأملت الثغورَ وُجِد فيها الحاجة إلى الاسْتِئْلاف».