وما رجَّحه ابنُ جرير انتقده ابنُ تيمية (١/ ١٦٢ - ١٦٤) مستندًا إلى مخالفته دلالة ألفاظ الآية، فقال بقوله: «وأما قول من قال: المراد بالنور: ما حصل في الدنيا من حقن دمائهم وأموالهم، فلفظ الآية يدل على خلاف ذلك، فإنه قال: {وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}، ويوم القيامة يكونون في العذاب، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} إلى قوله: {ولَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أنفُسَكُمْ} الآية [الحديد: ١٣ - ١٤]، وقد قال غير واحد من السلف: إنّ المنافق يُعْطى يوم القيامة نورًا ثم يُطْفَأ؛ ولهذا قال تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا واغْفِرْ لَنا} [التحريم: ٨]. قال المفسرون: إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله أن يتم لهم نورهم، ويبلغهم به الجنة ... ، فلهذا أُعْطُوا نورًا ثم طَفِئ؛ لأنهم في الدنيا دخلوا في الإيمان ثم خرجوا منه؛ ولهذا ضرب الله لهم المثل بذلك، وهذا المثل هو لمن كان فيهم آمن ثم كفر، وهؤلاء الذين يعطون في الآخرة نورًا ثم يُطْفَأ، ولهذا قال: {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}». وقد انتَقَد ابنُ كثير (١/ ٢٩٦) ترجيحَ ابن جرير بقوله: «وزعم ابنُ جرير أنّ المضروب لهم المثل هاهنا لم يُؤْمِنُوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى: {ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ} [البقرة: ٨]. والصواب: أنّ هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك، ثم سُلبوه وطبع على قلوبهم، ولم يستحضر ابن جرير? هذه الآية هاهنا، وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٣]؛ فلهذا وجَّه ابنُ جرير هذا المَثَل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان، أي: في الدنيا، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة».