للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخرج منها من الماء ستُّ أذرع، وكانت مُطبَقَةً، وجعل لها ثلاثة أبواب بعضَها أسفلَ من بعض، فأرسل الله المطر أربعين ليلة وأربعين يومًا، فأقبلت الوحش حين أصابها المطر والدواب والطير كلها إلى نوح، وسُخِّرت له، فحمل فيها كما أمره الله مِن كل زوجين اثنين، وحمل معه جسدَ آدم، فجُعِل حاجزًا بين النساء والرجال، فركبوا فيها لعشر مضين مِن رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام مَن صام يوم عاشوراء، وخرج الماء مثل ذلك نصفين؛ نصف من السماء ونصف من الأرض، فذلك قول الله: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} يقول: مُنصَبّ، {وفجرنا الأرض عيونًا} يقول: شَقَقْنا الأرض، {فالتقى الماء على أمر قد قدر} [القمر: ١١ - ١٢]، وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذراعًا، فسارت بهم السفينة، فطافَت بهم الأرضَ كلها في ستة أشهر لا تَسْتَقِرُّ على شيء، حتى أتت الحرم فلم تدخُله، ودارت بالحرم أسبوعًا، ورُفِع البيت الذي بناه آدم؛ رُفِعَ من الغرق -وهو البيت المعمور- والحجر الأسود على أبي قُبَيس، فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجُودِيِّ، وهو جبل بالحِصنين (١) من أرض الموصل، فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السنة، فقيل بعد الستة أشهر: {بعدًا للقوم الظالمين}. فلمّا استوت على الجودي قيل: {يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} يقول: احبسي ماءكِ، {وغيض الماء} نَشِفَتْه الأرضُ، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض، فآخرُ ماءٍ بقي في الأرض مِن الطوفان ماء بحِسْمى (٢)، بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان، ثم ذهب، فهبط نوح إلى قريةٍ، فبنى كلُّ رجل منهم بيتًا، فسُمِّيت: سوق الثمانين، فغرق بنو قابيل كلهم، وما بين نوح إلى آدم مِن الآباء كانوا على الإسلام، ودعا نوح على الأسد أن يُلقى عليه الحُمّى، وللحمامة بالأنس، وللغراب بشقاء المعيشة، وتزوج نوح امرأةً من بني قابيل، فولدت له غلامًا فسمّاه: يوناطنَ، فلما ضاقت بهم سوق الثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها، وهي بين الفرات والصَّراةِ (٣)، فمكثوا بها حتى بلغوا مائة ألف وهم على الإسلام. ولَمّا خرج نوح من السفينة دُفِن آدم - عليه السلام - ببيت المقدس (٤). (٨/ ٧٠)


(١) تثنية حِصن: وهو موضع بعينه. معجم البلدان ٢/ ٢٦٣.
(٢) حِسْمى: أرض ببادية الشام. معجم البلدان ٢/ ٢٥٨.
(٣) الصراة: نهر بالعراق. المصباح المنير (صري).
(٤) أخرجه ابن سعد ١/ ٤٠ - ٤٢، وابن عساكر ٦٢/ ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>