يعقوب، لو تعلم ما صنَع بابنك بنو الإماء. فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعْطَيْتُمُوني مَوْثِقًا ألّا تقتلوه؟! فانطَلَقُوا به إلى الجُبِّ لِيَطرَحوه فيه، فجعلوا يُدْلُونه في البئر، فيَتَعَلَّق بشَفِير البئر، فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، رُدُّوا عليَّ قميصي أتَوارى به في الجُبِّ. فقالوا له: ادْعُ الأحدَ عشرَ كوكبًا والشمس والقمر يُؤْنِسوك. قال: فإنِّي لم أرَ شيئًا. فدَلَّوْهُ في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألْقَوْه إرادةَ أن يموت، فكان في البئر ماءٌ، فسَقَط فيه، فلم يَضُرَّه، ثم أوى إلى صخرةٍ في البئر، فقام عليها، فجعل يبكى، فناداه إخوتُه، فظَنَّ أنّها رِقَّةٌ أدركتْهم، فأجابهم، فأرادوا أن يَرْضَخوه بصخرةٍ فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعْطيتُموني مَوثِقًا ألّا تقتلوه. فكان يهوذا يأتيه بالطعام. ثم إنّهم رجعوا إلى أبيهم، فأخذوا جَدْيًا مِن الغنم، فذبحوه، ونضَحوا دمَه على القميص، ثم أقْبَلوا إلى أبيهم عشًاء يبكون، فلمّا سمع أصواتهم فزِعَ، وقال: يا بَنِيَّ، ما لكم؟ هل أصابكم في غنمِكم شيء؟ قالوا: لا. قال: فما فعل يوسف؟ {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نَسْتَبِقُ وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمنِ لنا} يعني: بمُصَدِّق لنا {ولو كنا صادقين}. فبكى الشيخ، وصاح بأعلى صوته، ثم قال: أين القميص؟ ثم جاءوا بقميصه وعليه دَمٌ كَذِب، فأخذ القميصَ، وطرَحه على وجهه، ثم بكى حتى خُضِّبَ وجهُه مِن دمِ القميص، ثم قال: إنّ هذا الذِّئْب يا بَنِيَّ لَرحيم، فكيف أكل لحمه ولم يُخَرِّق قميصه؟! {وجاءت سيارة فأرسلوا وارِدَهُم فأدلى دلوه}، فتعلَّق يوسف بالحبل، فخرج، فلمّا رآه صاحبُ الدَّلْوِ دعا رجلًا مِن أصحابه يُقال له: بُشْرى، فقال:«يا بُشْرايَ هَذا غُلامٌ». فسَمِع به إخوةُ يوسف، فجاءوا، فقالوا: هذا عبدٌ لنا آبِقٌ، ورَطَنوا (١) له بلسانهم، فقالوا: لَئِن أنكرت أنّك عبدٌ لنا لَنَقْتُلنَّكَ، أتُرانا نَرْجِعُ بك إلى يعقوب وقد أخبَرناه أنّ الذئب قد أكلك؟! قال: يا إخوتاه، ارجِعوا بي إلى أبي يعقوب، فأنا أضمن لكم رضاه، ولا أذكر لكم هذا أبدًا. فأَبَوْا، فقال الغلام: أنا عبدٌ لهم. فلمّا اشتراه الرجلان فَرِقا مِن الرُّفْقةِ أن يقولا: اشترَيْناه. فيسألونهما الشرَّكِةَ فيه، فقالا: نقول إن سألونا: ما هذا؟ نقول: هذا بضاعةٌ استَبْضَعْناها أهلَ البئر. فذلك قوله:{وأَسَرُّوهُ بِضاعَة}، {وشَروه بثمن بخس دراهم معدودة} كانت عشرين درهمًا، وكانوا في يوسف من الزاهدين. فانطلقوا به إلى مصر، فاشتراه العزيز مَلِك مصر، فانطلق