للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به إلى بيته، فقال لامرأته: {أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا}. فأَحَبَّتْهُ امرأتُه، فقالت له: يا يوسف، ما أحْسَنَ شَعرَك! قال: هو أول ما يتناثر مِن جسدي. قالت: يا يوسف، ما أحسن عينيك! قال: هما أول ما يسيلان إلى الأرض مِن جسدي. قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهَك! قال: هو للتراب يأكله. قالت: {هيت لك}: هلم لك -وهي بالقِبْطِيَّة-. {قال معاذ الله إنه ربى} قال: سيدي {أحسن مثواى}؛ فلا أخونه في أهله. فلم تزل به حتى أطْمَعَها، فهمَّت به وهَمَّ بها، فدخلا البيت، {وغلقت الأبواب}، فذهب لِيَحُلَّ سراويلَه، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت قد عَضَّ على أصبُعه، يقول: يا يوسف، لا تُواقِعْها، فإنّما مَثَلُك مَثَلُ الطَّيْر في جَوِّ السماء لا يُطاق، ومَثَلُك إذا وقَعْتَ عليها مَثَلُه إذا مات فوقع على الأرض؛ لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومَثَلُك ما لم تُواقِعْها مَثَلُ الثَّوْر الصَّعْب الذي لم يُعمَل عليه، ومَثَلُك إذا واقَعْتَها مَثَلُه إذا مات فدخل النملُ في أصل قَرْنَيْه، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. فربط سراويله، وذهب ليخرج، فأَدْرَكَتْه، فأخذت بمُؤَخَّر قميصه مِن خلفه، فخرقته حتى أخرجته منه، وسَقَط، وطرحه يوسف، واشْتَدَّ نحوَ الباب، وألفيا سيدها جالسًا عند الباب هو وابنُ عمِّ المرأة، فلمّا رأته قالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم}، إنّه راودني عن نفسي، فدفعته عَنِّي، فشَقَقْتُ قميصَه. فقال يوسف: لا، بل هي راودتني عن نفسي، فأَبَيْتُ وفَرَرْتُ منها، فأَدْرَكَتْنِي، فأَخَذَتْ بقميصي، فشَقَّتْهُ عَلَيَّ. فقال ابنُ عمِّها: في القميص تبيان الأمر؛ انظروا إن كان القميصُ قُدَّ مِن قبُل فصَدَقت وهو من الكاذبين، وإن كان قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت وهو من الصادقين. فلما أُتِي بالقميص وجَده قد قُدَّ مِن دُبُر، فقال: {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم*يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك}. يقول: لا تعودي لذنبك. {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًا}. والشَّغاف: جِلْدَةٌ على القلب، يُقال لها: لِسان القلب. يقول: دَخَلَ الحُبُّ الجِلْدَ حتى أصاب القلب. {فلما سمعت بمكرهن} يقول: بِقَوْلِهِنَّ {أرسلت إليهن وأَعتَدَت لهن متكئًا} يَتَّكِئْن عليه، {وآتت كل واحدة منهن سكينًا} وأُتْرُجًّا (١) يَأْكُلْنَه، وقالت ليوسف: {اخرج عليهن}. فلمّا خرج ورأى النسوةُ يوسفَ أعْظَمْنَه،


(١) الأُتْرُجّ: شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، ذكي الرائحة، حامض الماء، وهو كثير ببلاد العرب، ولا يكون برِّيًّا. الوسيط (أترجّ).

<<  <  ج: ص:  >  >>