وجعلن يَحزُزْن أيديَهن وهُم يحسبن أنّهُنَّ يُقَطِّعن الأُتْرُجَّ، ويقلن:{حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم}. قالت:{فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} بعدما كان حَلَّ سراويله، ثم لا أدري ما بدا له. قال يوسف:{رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه}. يقول: الحبسُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يدعونني إليه مِن الزِّنا. ثُمَّ إنّ المرأة قالت لزوجها: إنّ هذا العبد العبرانيَّ قد فَضَحَنِي في الناس، إنّه يعتذر إليهم ويُخبِرُهم أنِّي راودته عن نفِسه، ولستُ أُطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر كما يعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني. فذلك قوله:{ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} وهو شَقُّ القميص، وقطع الأيدي {ليسجننه حتى حين}. {ودخل معه السجن فتيان}، غَضِب الملِكُ على خبّازِه؛ بلغه أنّه يريد أن يَسُمَّه، فحبسه، وحبس الساقي، وظَنَّ أنّه مالأه على السُّمِّ، فلمّا دخل يوسفُ السجنَ قال: إنِّي أُعَبِّر الأحلام. فقال أحد الفَتَيَيْن لصاحبه: هَلُمَّ، فلْنُجرِّب قولَ هذا العبد العبراني. فتراءيا مِن غير أن يكونا رأيا شيئًا، ولكنهما خَرَصا، فعبَّر لهما يوسفُ خَرْصَهما، فقال الساقي: رأيتُني أعصِر خمرًا. وقال الخبّاز: رأيتني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه. قال يوسف:{لا يأتيكما طعام تُرْزَقانِهِ} في النوم {إلا نبأتكما بتأويله} في اليَقَظَة. ثم قال:{يا صاحبى السجن أما أحَدُكُما فيسقى ربه خمرًا}؛ فيُعادُ على مكانه، {وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه}. ففزِعا، وقالا: واللهِ، ما رأينا شيئًا. قال يوسف:{قضى الأمر الذى فيه تستفتيان}، إنّ هذا كائِنٌ لا بُدَّ منه. وقال يوسف - عليه السلام - للساقي:{اذكرنى عند ربك}. ثم إنّ الله أرى الملكَ رؤيا في منامه هالَتْهُ، فرأى سبع بقرات سِمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر يأكلهن سبعٌ يابسات، فجمع السَّحَرَة والكهنة والعافة -وهم القافَة (١) - والحازَة -وهم الذين يزجُرون الطير-، فقصَّها عليهم، فقالوا:{أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين}. {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}. قال ابن عباس: لم يكن السجنُ في المدينة، فانطلق الساقي إلى يوسف، فقال:{أفتنا في سبع بقرات} إلى قوله: {لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} تأويلها. قال:{تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله}. قال: هو أبقى له، {إلا قليلًا مما تأكلون*ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلًا
(١) القافة: جمع قائف، وهو الذى يعرف الأنساب والآثار بفراسته. التاج (قيف).