للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البَرِّيَّة، وما وضع هذا الصواع في رحلي إلا الذى وضع الدراهم في رِحالكم. قالوا: لا تَذْكُرِ الدراهم فنُؤْخَذ بها. فوقعوا فيه، وشتموه، فلمّا أدخلوهم على يوسف دعا بالصُّواع، ثُمَّ نَقَرَ فيه، ثُمَّ أدناه مِن أُذُنِه، ثُمَّ قال: إنّ صُواعي هذا لَيُخبِرني أنّكم كنتم اثني عشر أخًا، وأنّكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه. فلمّا سمعها بنيامين قام فسجد ليوسف، وقال: أيها الملك، سل صواعك هذا، أحَيٌّ أخي ذاك أم لا؟ فنقرها يوسف، ثم قال: نعم هو حيٌّ، وسوف تراه. قال: اصنع بي ما شئت، فإنّه إن عَلِم بي استنقذني. فدخل يوسف، فبكى، ثم توضأ، ثم خرج. فقال بنيامين: أيها الملِك، إني أراك تضرب بصواعك فيُخبِرُكَ بالحق، فسله مَن صاحبه؟ فنقر فيه، ثم قال: إنّ صواعي هذا غضبان، يقول: كيف تسألني مَن صاحبي وقد رأيتَ مَعَ مَن كنت؟ وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يُطاقُوا، فغَضِب روبيل، فقام، فقال: أيُّها الملك، واللهِ، لَتَتْرُكَنّا أو لَأَصِيحَنَّ صيحةً لا تَبْقى امرأةٌ حامِلٌ بمصر إلا طَرَحَتْ ما في بطنها. وقامت كلُّ شعرة مِن جسد روبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه: مُرَّ إلى جنب روبيل، فمَسَّهُ. وكان بنو يعقوب إذا غضِب أحدُهم فمَسَّه الآخَرُ ذَهَب غضبُه، فمَرَّ الغلام إلى جانبه، فمَسَّه، فذهب غضبُه، فقال روبيل: من هذا؟! إنَّ في هذه البِلاد لَبَزْرًا (١) مِن بَزْر يعقوب. قال يوسف: ومَن يعقوب؟ فغضب روبيل، فقال: أيُّها الملِك، لا تَذْكُرَنَّ يعقوب، فإنّه سَرِيُّ (٢) الله، ابن ذبيح الله، ابن خليل الله. فقال يوسف: أنت إذن إن كنت صادقًا، فإذا أتيتم أباكم فاقرءوا عليه مِنِّي السلام، وقولوا له: إنّ مَلِك مصر يدعو لك ألّا تموت حتى ترى ابنك يوسف؛ حتى يعلم أبوكم أنّ في الأرض صِدِّيقين مثله. فلمّا أيِسُوا منه، وأخرَج لهم شمعون وقد كان ارْتَهَنَه؛ خلوا بينهم {نجيًا} يتناجون بينهم، قال كبيرهم -وهو روبيل، ولم يكن بأكبرهم سِنًّا، ولكن كان كبيرهم في العلم-: {ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين}. فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب، فأخبروه الخبر، فبكى، وقال: يا بَنِيَّ، ما تذهبون مِن مَرَّةِ إلا نقصتم واحدًا؟! ذهبتم فنقصتم


(١) البَزْر: الأولاد. اللسان (بزر).
(٢) قال الشيخ شاكر في تحقيقه ١٦/ ٢٠١: «في التاريخ ١/ ٣٢٠: إسرائيل الله، وكأنّ الذي في التفسير هو الصواب، لأنّ» إيل «بمعنى: الله، و» إسرا «يضاف إليه، وكأن» إسرا «بمعنى: سرى، وهو بمعنى: المختار، كأنه: صفي الله الذي اصطفاه. وفي تفسير ذلك اختلاف كثير».

<<  <  ج: ص:  >  >>