وذكر ابنُ عطية (١/ ١٧٨ - ١٧٩) أنه قول الجمهور، وقال: «وهو ظاهر الآية». وبيّن كون الاستثناء مُتَّصِلًا على هذا القول. [١٦٧] قال ابنُ جرير (١/ ٥٤٢ - ٥٤٣) مُبيّنًا العِلَل التي استند إليها القائلون بكونه ليس من الملائكة: «وعِلَّة من قال هذه المقالة: أنَّ الله -جَلَّ ثناؤُه- أخْبَرَ في كتابه أنّه خلق إبليس من نار السَّموم، ومن مارج من نار، ولم يخبر عن الملائكة أنه خَلقها من شيء من ذلك، وأن الله -جَلَّ ثناؤُه- أخبر أنه من الجنّ، فقالوا: فغيرُ جائز أن يُنسب إلى غير ما نسبه الله إليه. قالوا: ولإبليس نسلٌ وذرية، والملائكة لا تتناسل ولا تتوالد». وانتَقَد هذه المقالةَ بقولِه: «وهذه عِلَلٌ تُنبِئُ عن ضَعْف معرفةِ أهلها؛ وذلك أنه غيرُ مستنكر أن يكون الله -جَلَّ ثناؤه- خَلق أصنافَ ملائكته من أصنافٍ من خَلْقه شَتّى، فخلق بعضًا من نُور، وبعضًا من نار، وبعضًا مما شاء من غير ذلك، وليس في تَرْك الله -جَلَّ ثناؤُه- الخبر عَمّا خَلق منه ملائكته، وإخبارِه عما خلق منه إبليس ما يُوجِب أن يكون إبليس خارجًا عن معناهم؛ إذْ كان جائزًا أن يكون خَلَق صِنفًا من ملائكته من نارٍ كان منهم إبليس، وأن يكون أفرد إبليس بأنْ خَلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غيرُ مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأنْ كان له نسل وذرية، لِما رَكَّب فيه من الشهوة واللذة التي نُزِعت من سائر الملائكة، لِما أراد الله به من المعصية. وأما خبرُ الله عن أنّه {من الجن} فغير مدفوع أن يُسَمّى ما اجتنّ من الأشياء عن الأبصار كلها: جِنًّا». وكذا انتَقَد ابنُ عطية (١/ ١٧٨ - ١٧٩) بعضَ أدلتهم بقوله: «قوله - عز وجل -: {كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: ٥٠] يتخرج على أنّه عمل عملهم، فكان منهم في هذا، أو على أنّ الملائكة قد تُسَمّى جِنًّا لاستتارها، قال تعالى: {وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: ١٥٨]، أو على أن يكون نَسَبهم إلى الجَنَّة -كما ينسب إلى البَصْرة: بِصْريّ- لَمّا كان خازِنًا عليها». وبيَّن ابنُ عطية أنّ قولهم يقتضي كون الاستثناء منقطعًا.