ورجَّح ابنُ جرير (١٤/ ١٧٥ - ١٧٦) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الثاني، وهو قول إبراهيم النخعي، وقول الأسود، وعلَّل ذلك بأنه «لو كان في قوله -تعالى ذكره-: {لِتَرْكَبُوها} دلالةٌ على أنها لا تصلح -إذ كانت للركوب- للأكل، لكان في قوله: {فِيها دِفْءٌ ومَنافِعُ ومِنها تَأْكُلُونَ} دلالة على أنها لا تصلح -إذ كانت للأكل والدِّفْءِ- للركوب، وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال -تعالى ذِكْره-: {ومِنها تَأْكُلُونَ} جائزٌ حلالٌ غير حرام، دليلٌ واضحٌ على أن أكل ما قال: {لِتَرْكَبُوها} جائزٌ حلالٌ غير حرامٍ، إلا بما نصَّ على تحريمه، أو وضَع على تحريمه دلالة من كتابٍ أو وحيٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما بهذه الآية فلا يُحَرَّم أكلُ شيءٍ». وذكر ابنُ عطية (٥/ ٣٣٠) احتجاج ابن عباس ومالك بهذه الآية على كراهة لحوم الخيل والبغال والحمير، واحتجاج الحكم بن عيينة بها على حرمة لحوم الخيل والبغال والحمير، ثم استدرك قائلًا: «وهذه الحجة غير لازمة عند جماعة من العلماء، قالوا: إنما ذكر الله تعالى عظم منافع الأنعام، وذكر عظم منافع هذه وأهم ما فيها، وليس يقضي ذلك بأن ما ذكره لهذه لا تدخل هذه فيه». ثم ذكر (٥/ ٣٣١) قول ابن جرير بأن في «إجماعهم على جواز ركوب ما ذكر للأكل دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب»، وعلق قائلًا: «وفي هذا نظر، ولحوم الخيل عند كثير من العلماء حلال، وفي جواز أكلها حديث أسماء بنت أبي بكر، وحديث جابر بن عبد الله: كنا نأكل الخيل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. والبغال والحمير مكروهة عند الجمهور، وهو تحقيق مذهب مالك».