وعلَّقَ ابنُ كثير (٨/ ٤٠٠ بتصرف) على قول حذيفة، فقال: «هذا الذي قاله حذيفة - رضي الله عنهما - نفي، وما أثبته غيرُه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن ربط الدابة بالحلقة، ومن الصلاة ببيت المقدس، مُقدَّمٌ على قوله». وعلَّقَ ابنُ عطية (٥/ ٤٣٥ بتصرف) على القول الثاني بقوله: «وركوب البُراق على قول هؤلاء يكون مِن جملة ما رأى في النوم». ثم قال: «واحتُجَّ لقول عائشة بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، وهذا يحتمل القول الآخر؛ لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا، واحتُجَّ أيضًا بأن في بعض الأحاديث: «فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام». وهذا يحتمل أن يُرَدَّ من الإسراء إلى نوم. واعتُرِضَ قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد، ولا حدَّثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما معاوية فكان كافرًا في ذلك الوقت، غير مشاهد للحال، صغيرًا، ولم يحدِّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». ورجَّحَ ابنُ جرير (١٤/ ٤٤٦ - ٤٤٧)، وكذا ابنُ عطية (٥/ ٤٣٥)، ومثلهما ابنُ كثير (٨/ ٤٣١ - ٤٣٢) قولَ الجمهور استنادًا إلى القرآن، وأقوال السلف، ودلالة العقل، وهو الظاهر مِن كلام ابن تيمية (٤/ ١٩٤). قال ابنُ عطية: «الصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ولو كانت منامِيَّة ما أمكن قريشًا أن تُشَنِّع، ولا فُضِّل أبو بكر بالتصديق، ولا قالت له أم هاني: لا تحدِّث الناسَ بهذا فيكذبوك. إلى غير هذا من الدلائل». وقال ابنُ كثير (٨/ ٤٣١ - ٤٣٢ بتصرف): «الحق أنّه - صلى الله عليه وسلم - أُسْرِي به يقظةً لا منامًا، والدليل على هذا قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مُسْتَعْظَمًا، ولَما بادرت كفارُ قريش إلى تكذيبه، ولَما ارتَدَّت جماعةٌ مِمَّن كان قد أسلم. وأيضًا فإنّ العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى: {أسرى بعبده ليلا}، وقال تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أُريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به. رواه البخاري. وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى}، والبصر مِن آلات الذّات، لا الروح. وأيضًا فإنه حُمِل على البُراق، وهو دابة بيضاء، براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه». وبنحوهما قال ابنُ جرير.