للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعاين فيه مِن أمر الله ما عايَن، على أيِّ حالاته كان، نائمًا أو يقظانَ، كل ذلك حقٌّ وصِدق (١). (ز)

٤٢٣٦٢ - عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}: أُسْرِي بنبيِّ الله عِشاء مِن مكة إلى بيت المقدس، فصلى نبيُّ الله فيه، فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثم أصبح بمكة. ذُكِر لنا: أنّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حُمِلْتُ على دابَّة يقال لها: البُراق، فوق الحمار ودُون البغل، يقع خَطْوُه عند أقصى طَرَفِه». فحدَّث نبيُّ الله بذلك أهل مكة، فكذَّب به المشركون وأنكروه، وقالوا: يا محمد، تخبرنا أنّك أتيتَ بيت المقدس، وأقبلت مِن ليلتك، ثم أصبحت عندنا بمكة، فما كنت تجيئنا وتأتي به قبل اليوم مع هذا! فصدَّقه أبو بكر، فسُمِّي أبو بكر: الصديق؛ مِن أجل ذلك (٢). (ز)

٤٢٣٦٣ - قال مقاتل بن سليمان: {الذي أسرى بعبده} يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعُرِضَت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخمر، فقال جبريل: أما إنّ الله حرَّمها على أمتك (٣). (ز)

٤٢٣٦٤ - عن جبر، قال: سمعت سفيان الثوري سُئِلَ عن ليلة أُسرِيَ به. فقال: أُسرِي ببَدَنِه (٤) [٣٧٧٨]. (٩/ ٢٢٩)


[٣٧٧٨] اختُلِف في صفة إسرائه - صلى الله عليه وسلم -، أكان بجسده وروحه، أم بروحه فقط؟ على قولين: الأول: أنّ الإسراء كان بجسده وروحه، يقظة لا منامًا. وهذا قول الجمهور. واختلف أصحاب هذا القول هل دخل - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس، وصلّى فيه أم لا؟ على قولين، الثاني منهما قول حذيفة. والثاني: أنّ الإسراء كان بروحه فقط، وكانت الرؤيا منامية. وهذا قول عائشة، ومعاوية، وجوَّزه الحسن، وابن إسحاق.
وعلَّقَ ابنُ كثير (٨/ ٤٠٠ بتصرف) على قول حذيفة، فقال: «هذا الذي قاله حذيفة - رضي الله عنهما - نفي، وما أثبته غيرُه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن ربط الدابة بالحلقة، ومن الصلاة ببيت المقدس، مُقدَّمٌ على قوله».
وعلَّقَ ابنُ عطية (٥/ ٤٣٥ بتصرف) على القول الثاني بقوله: «وركوب البُراق على قول هؤلاء يكون مِن جملة ما رأى في النوم». ثم قال: «واحتُجَّ لقول عائشة بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، وهذا يحتمل القول الآخر؛ لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا، واحتُجَّ أيضًا بأن في بعض الأحاديث: «فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام». وهذا يحتمل أن يُرَدَّ من الإسراء إلى نوم. واعتُرِضَ قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد، ولا حدَّثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما معاوية فكان كافرًا في ذلك الوقت، غير مشاهد للحال، صغيرًا، ولم يحدِّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».
ورجَّحَ ابنُ جرير (١٤/ ٤٤٦ - ٤٤٧)، وكذا ابنُ عطية (٥/ ٤٣٥)، ومثلهما ابنُ كثير (٨/ ٤٣١ - ٤٣٢) قولَ الجمهور استنادًا إلى القرآن، وأقوال السلف، ودلالة العقل، وهو الظاهر مِن كلام ابن تيمية (٤/ ١٩٤).
قال ابنُ عطية: «الصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ولو كانت منامِيَّة ما أمكن قريشًا أن تُشَنِّع، ولا فُضِّل أبو بكر بالتصديق، ولا قالت له أم هاني: لا تحدِّث الناسَ بهذا فيكذبوك. إلى غير هذا من الدلائل».
وقال ابنُ كثير (٨/ ٤٣١ - ٤٣٢ بتصرف): «الحق أنّه - صلى الله عليه وسلم - أُسْرِي به يقظةً لا منامًا، والدليل على هذا قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مُسْتَعْظَمًا، ولَما بادرت كفارُ قريش إلى تكذيبه، ولَما ارتَدَّت جماعةٌ مِمَّن كان قد أسلم. وأيضًا فإنّ العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى: {أسرى بعبده ليلا}، وقال تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أُريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به. رواه البخاري. وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى}، والبصر مِن آلات الذّات، لا الروح. وأيضًا فإنه حُمِل على البُراق، وهو دابة بيضاء، براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه».
وبنحوهما قال ابنُ جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>