للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٢٣٦٥ - قال يحيى بن سلّام: قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده}، يعني: نفسه، أسرى بعبده محمد - صلى الله عليه وسلم - (١) [٣٧٧٩]. (ز)


[٣٧٧٩] ذَهَبَ ابن القيم إلى أنّ الباء في قوله تعالى: {أسْرى بِعَبْدِه} للمصاحبة، فقال (٢/ ١٣٢ - ١٣٣): «في قوله تعالى: {أسْرى بِعَبْدِه} دون: بعث بعبده، وأرسل به. ما يُفِيد مصاحبته له في مسراه؛ فإن الباء هنا للمصاحبة، كهي في قوله: هاجر بأهله، وسافر بغلامه. وليست للتعدية؛ فإنّ» أسرى «يتعدى بنفسه، يقال: سري به، وأسراه. وهذا لأنّ ذلك السرى كان أعظم أسفاره - صلى الله عليه وسلم -، والسفر يعتمد الصاحب، ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يقول: «اللهم، أنت الصاحب في السفر». فإن قيل: فهذا المعنى يفهم من الفعل الثلاثي لو قيل: سرى بعبده. فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء؟ ففيه أجوبة: أحدها: أنهما بمعنى، وأن» أسرى «لازم كـ» سرى «، تقول: سرى زيد، وأسرى. بمعنًى واحد، وهذا قول جماعة. الثاني: أنّ» أسرى" متعدّ، ومفعوله محذوف، أي: أسرى بعبده البراق. هذا قول أبي القاسم السهيلي وغيره. ويشهد للقول الأول قول الصديق: أسرينا ليلتنا كلها ومِن الغد حتى قام قائم الظهيرة. والجواب الصحيح: أنّ الثلاثي المتعدي بالباء يفهم منه شيئان: أحدهما: صدور الفعل من فاعله. الثاني: مصاحبته لما دخلت عليه الباء. فإذا قلت: سريت بزيد، وسافرت به. كنت قد وجد منك السرى والسفر مصاحبًا لزيد فيه، كما قال:
ولقد سريت على الظلام بمعشرومنه الحديث: أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها. وأما المتعدي بالهمزة فيقتضي إيقاع الفعل بالمفعول فقط، كقوله تعالى: {واللَّهُ أخْرَجَكُمْ مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} [النحل: ٧٨]، {فَأَخْرَجْناهُمْ مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ} [الشعراء: ٥٧]، ونظائره. فإذا قرن هذا المتعدي بالهمزة أفاد إيقاع الفعل على المفعول مع المصاحبة المفهومة من الباء، ولو أتى فيه بالثلاثي فهم منه معنى المشاركة في مصدره وهو ممتنع، فتأمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>