للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالت: دخل عَلَيَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بغَلَسِ (١) وأنا على فراشي، فقال: «شعرتِ أنِّي نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل، فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابَّةٌ أبيض فوق الحمار ودون البغل، مُضطَرِبُ الأُذُنَين، فركِبْته، فكان يضع حافره في مَدِّ بصره، إذا أخذ بي في هُبُوطٍ طالَت يَداه وقصُرَت رجلاه، وإذا أخذ بي في صُعُود طالت رجلاه وقصُرت يَداه، وجبريل لا يفوتُني، حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقتُه بالحلقة التي كانت الأنبياء تُوثِقُ بها، فنُشِر لي رَهطٌ من الأنبياء؛ منهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصَلَّيت بهم، وكلَّمتهم، وأُتِيتُ بإناءين أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل: شرِبتَ اللبن، وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتَدَّت أُمَّتُك [٣٧٨٨]، ثم ركبتُه، فأتيت المسجد الحرام، فصليت به الغداة؟» فتعلَّقت برِدائِه، وقلت: أُنشِدُك اللهَ، يا ابن عمِّ، أن تحدِّثَ بهذا قريشًا، فيُكَذِّبَك مَن صَدَّقك، فصَرب بيده على ردائه، فانتزعه مِن يدي، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عُكَنِه (٢) فوق إزاره كأنها طَيُّ القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد أن يَختَطِفَ بصري، فخررتُ ساجدةً، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي: ويحكِ، اتبَعِيه، وانظري ماذا يقول، وماذا يُقال له. فلما رجعتْ أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش، فيهم المُطعِمُ بن عَدِيٍّ، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقال: «إني صَلَّيتُ الليلة العشاء في هذا المسجد، وصلَّيت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك ببيت المقدس، فنُشِر لي رهطٌ من الأنبياء، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصَلَّيتُ بهم، وكلَّمتُهم». فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ: صِفهم لي. فقال: «أما عيسى ففوق الرَّبعَةِ ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جَعدُ الشَّعر، تَعلُوه صُهبَةٌ، كأنّه عروة بن مسعود الثقفي، وأمّا موسى فضخم آدَمُ طُوالٌ كأنّه مِن رجال شنوءة، كثير الشعر، غائر العينين، مُتَراكِبَ الأسنان، مُقَلَّصُ الشَّفَةِ، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم -فواللهِ- لأشبهُ الناس به خَلقًا وخُلُقًا». فضَجُّوا، وأعظَموا ذلك، فقال


[٣٧٨٨] قال ابنُ كثير (٨/ ٤٣٢): «أما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجميع فقد ورد أنه في البيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا؛ لأنه كالضيافة للقادم».

<<  <  ج: ص:  >  >>