ركَبِتُها، فعمِلَتْ بأُذُنَيها (١)، وقبضت الأرض حتى كان مُنتَهى وقعِ حافِرِها طَرفُها، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يَفُوتُني ولا أفُوتُه، حتى أنتهى بي إلى بيت المقدس، فأتى البُراقُ إلى موقفِه الذي كان يقف، فربطه فيه، وكان مَربِطَ الأنبياء، رأيت الأنبياء جُمِعوا لي، فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى، فظننت أنّه لا بد أن يكون لهم إمام، فقدمني جبريل حتى صَلَّيت بين أيديهم [٣٧٨٩]، وسألتُهم فقالوا: بُعِثنا بالتوحيد». وقال بعضهم: فُقِد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، فتَفَرَّقَت بنو عبد المطلب يطلُبونه ويَلتَمِسونه، وخرج العباس حتى إذا بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ: يا محمد، يا محمد. فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لبيك». فقال: ابن أخي، عَنَّيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال:«أتيت من بيت المقدس». قال: في ليلتك؟! قال:«نعم». قال: هل أصابك إلا خير؟ قال:«ما أصابني إلا خير». وقالت أم هانئ: ما أُسرِي به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة، صلّى العشاء ثم نام، فلما كان قبل الفجر أنبَهناه للصبح، فقام، فلما صلى الصبح قال:«يا أم هانئ، لقد صلَّيت معكم العشاء كما رأيتِ بهذا الوادي، ثم قد جئت بيت المقدس، فصليت فيه، ثم صليت الغداة معكم». ثم قام ليخرج، فقلت: لا تُحَدِّث هذا الناس فيُكَذِّبوك ويُؤذُوك. فقال:«واللهِ، لَأُحَدِّثَنَّهم». فأخبرَهم، فتعجَّبوا، وقالوا: لم نسمع بمثل هذا قط. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل:«يا جبريل، إنّ قومي لا يُصَدِّقوني». قال: يُصَدِّقُك أبو بكر، وهو الصِّدِّيق. «وافتتن ناسٌ كثير كانوا قد صلَّوا وأسلَموا، وقمتُ في الحِجر، فجَلّى الله لي بيت المقدس، فطَفِقت أُخبِرُهم عن آياته وأنا أنظر إليه، فقال بعضهم: كم للمسجد من باب؟ ولم أكن عددت أبوابه، فجعلت أنظر إليها،
[٣٧٨٩] قال ابنُ كثير (٨/ ٤٣١): «مِن الناس مَن يزعم أنه أمَّهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مرَّ بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولًا مطلوبًا إلى الجناب العلوي؛ ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لَمّا فرغ مِن الذي أريد به اجتمع به هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفَه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل - عليه السلام - له في ذلك».