ورجَّح ابنُ جرير (١٥/ ٤١ - ٤٢) القول الثاني الذي قاله ابن عباس، وابن سلام، وانتقد الأول الذي قاله مجاهد، وقتادة، والحسن، وأبو أمامة، مستندًا إلى دلالة السنّة، والدلالة العقلية، فقال: «وأولى القولين بالصواب في ذلك القولُ الذي ذكرنا عن ابن عباس؛ وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان الله -تعالى ذِكْرُه- قد خصه بما فرض عليه من قيام الليل، دون سائر أمته. فأما ما ذكر عن مجاهد في ذلك فقول لا معنى له؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر عنه أكثر ما كان استغفارًا لذنوبه بعد نزول قول الله - عز وجل - عليه: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: ٢]. وذلك أن هذه السورة أنزلت عليه بعد منصرفه من الحديبية، وأُنزل عليه: {إذا جاء نصر الله والفتح} عام قُبض، وقيل له فيها: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر: ٣]، فكان يُعَدُّ له - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد استغفار مائة مرة، ومعلوم أنّ الله لم يأمره أن يستغفر إلا لما يغفره له باستغفاره ذلك، فبيَّن إذن وجْه فساد ما قاله مجاهد». وذكر ابنُ عطية (٥/ ٥٢٨) احتمالًا آخر، فقال: «وتحتمل الآية أن يكون هذا على وجْه الندب في التنفل، ويكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد هو وأمته، كخطابه في قوله: {أقم الصلوات}». وظاهر كلام ابن القيم (٢/ ١٤٩) أنه يرجّح القول الثاني حيث ذكر القولين، ثم قال: «والمقصود أن النافلة في الآية لم يرد بها ما يجوز فعله وتركه، كالمستحب، والمندوب، وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات، وهذا قدر مشترك بين الفرض والمستحب، فلا يكون قوله: {نافلة لك} نافيًا لما دل عليه الأمر من الوجوب». وبنحوه ابنُ تيمية (٥/ ٢٤٤ - ٢٤٥).