المدينة، فقالوا لهم: سلوا اليهود عن محمد، وصِفُوا لهم نعته وقوله، ثم ائتونا فأخبرونا. فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوا بها علماء اليهود من كل أرض قد اجتمعوا فيها لعيدٍ لهم، فسألوهم عن محمد، ونعتوا لهم نعته، فقال لهم حَبر من أحبار اليهود: إنّ هذا لنعت النبي الذي نتحدث أنّ الله باعثه في هذه الأرض. فقالت لهم رسل قريش: إنّه فقير، عائل، يتيم، لم يتبعه من قومه مِن أهل الرأي أحدٌ، ولا من ذوي الأسنان. فضحك الحبر، وقال: كذلك نجده. قالت لهم رسل قريش: فإنّه يقول قولًا عظيمًا؛ يدعو إلى الرحمن، ويقول: إنّ الذي باليمامة الساحر الكذاب. يعنون: مسيلمة. فقالت لهم اليهود: اذهبوا، فسلوا صاحبكم عن خلال ثلاث، فإن الذي باليمامة قد عجز عنهن، فأما اثنتان من الثلاث فإنه لا يعلمهما إلا نبي، فإن أخبركم بهما فقد صدق، وأما الثالثة فلا يجترئ عليها أحد. فقالت لهم رسل قريش: أخبرونا بهِنَّ. فقالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف والرقيم -فقصوا عليهم قصتهم-، وسلوه عن ذي القرنين -وحدثوهم بأمره-، وسلوه عن الروح، فإن أخبركم فيه بشيء فهو كاذب. فرجعت رسل قريش إليهم، فأخبروهم بذلك، فأرسلوا إلى النبي، فلقيهم، فقالوا: يا ابن عبد المطلب، إنا سائلوك عن خلال ثلاث، فإن أخبرتنا بهن فأنت صادق، وإلا فلا تذكرن آلهتنا بشيء. فقال لهم رسول الله:«وما هن؟». قالوا: أخبِرنا عن أصحاب الكهف، فإنا قد أخبرنا عنهم بآية بينة، وأخبرنا عن ذي القرنين، فإنا قد أخبرنا عنه بأمر بين، وأخبرنا عن الروح. فقال لهم رسول الله ×: أنظروني حتى أنظر ماذا يُحْدِث إلَيَّ فيه ربي. قالوا: فإنّا ناظروك فيه ثلاثًا. فمكث نبيُّ الله ثلاثة أيام لا يأتيه جبريل، ثم أتاه، فاستبشر به النبي ×، وقال:«يا جبريل، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثم لم تأتني!». قال له جبريل:{وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا}[مريم: ٦٤]، فإذا شاء ربك أرسلني إليك. ثم قال له جبريل: إن الله قال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. ثم قال له:{أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}[الكهف: ٩]، فذكر قصتهم. قال:{ويسألونك عن ذي القرنين}[الكهف: ٣]، فذكر قصته. ثم لقي رسول الله قريشًا في آخر اليوم الثالث، فقالوا: ماذا أحدث إليك ربك في الذي سألناك عنه؟ فقصَّه عليهم. فعجبوا، وغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه (١). (ز)