ظهراني سلطانك وملكك؟ وهم ثمانية نفر، رأسهم مكسلمينا، وهم أبناء عظماء المدينة. فلما قالوا ذلك لدقيانوس بعث إليهم، فأُتي بهم من المصلى الذي كانوا فيه تفيض أعينهم من الدمع، مُعَفَّرةً وجوههم في التراب، فقال لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم أسوة لسَراة أهل مدينتكم، ولمن حضرها من الناس؟ اختاروا مني: إما أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح الناس، وإما أن أقتلكم. فقال مكسلمينا: إنّ لنا إلهًا نعبده ملأ السماوات والأرض عظمته، لن ندعو من دونه إلهًا أبدًا، ولن نُقِرَّ بهذا الذي تدعونا إليه أبدًا، ولكنّا نعبد الله ربنا، له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصًا أبدًا، إياه نعبد، وإياه نسأل النجاة والخير، فأمّا الطواغيت وعبادتها فلن نُقِرَّ بها أبدًا، ولسنا بكّائنين عُبّادًا للشياطين، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عُبّادًا لها بعد إذ هدانا الله له؛ رهبتَك، أو فَرَقًا من عُبُودتك، اصنع بنا ما بدا لك. ثم قال أصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال. قال: فلما قالوا ذلك له أمر بهم، فنُزِع عنهم لبوسٌ كان عليهم من لبوس عظمائهم، ثم قال: أما إذ فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم أن تكونوا من أهل مملكتي وبطانتي وأهل بلاطي، وسأفرُغ لكم، فأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن أعجِّل ذلك لكم إلا أني أراكم فتيانًا حديثة أسنانُكم، ولا أحبُّ أن أهلككم حتى أستأني بكم، وأنا جاعل لكم أجلًا تَذكرون فيه، وتراجعون عقولكم. ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة، فنزعت عنهم، ثم أمر بهم، فأُخْرِجوا من عنده، وانطلق دقيانوس مكانه إلى مدينة سوى مدينتهم التي هم بها قريبًا منها لبعض ما يريد من أمره، فلما رأى الفتية دقيانوس قد خرج من مدينتهم بادروا قدومه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يُذَكَّرَ بهم، فأتمروا بينهم أن يأخذ كلُّ رجل منهم نفقة من بيت أبيه، فيتصدَّقوا منها، ويتزوَّدوا بما بقي، ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يُقال له: بنجلوس، فيمكثوا فيه، ويعبدوا الله، حتى إذا رجع دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه، فيصنع بهم ما شاء، فلما قال ذلك بعضهم لبعض عمد كلُّ فتًى منهم فأخذ من بيت أبيه نفقة، فتصدّقوا منها، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم، واتبعهم كلْب لهم، حتى أتوا ذلك الكهف الذي في ذلك الجبل، فلبثوا فيه، ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله تعالى والحياة التي لا تنقطع، وجعلوا نفقتهم إلى فتًى منهم يقال له: يمليخا، فكان على طعامهم، يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سِرًّا من أهلها، وذلك أنه كان من أجملهم