للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأجلدهم، فكان يمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابًا كانت عليه حسانًا، ويأخذ ثيابًا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها، ثم يأخذ ورقه، فينطلق إلى المدينة، فيشتري لهم طعامًا وشرابًا، ويتسمع ويتجسس لهم الخبر؛ هل ذُكر هو وأصحابه بشيء في بلاط المدينة، ثم يرجع إلى أصحابه بطعامهم وشرابهم، ويخبرهم بما سمع من أخبار الناس، فلبثوا بذلك ما لبثوا، ثم قدم دقيانوس الجبار المدينة التي منها خرج إلى مدينته، وهي مدينة أُفسوس، فأمر عظماء أهلها، فذبحوا للطواغيت، ففزع من ذلك أهل الإيمان، فتخبئوا في كل مخبأ، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم وشرابهم ببعض نفقتهم، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي، ومعه طعام قليل، فأخبرهم أن الجبار دقيانوس قد دخل المدينة، وأنهم قد ذُكروا وافْتُقِدوا والتُمسوا مع عظماء أهل المدينة ليذبحوا للطواغيت، فلما أخبرهم بذلك فزعوا فزعًا شديدًا، ووقعوا سجودًا على وجوههم يدعون الله، ويتضرعون إليه، ويَتَعَوَّذون به من الفتنة، ثم إن يمليخا قال لهم: يا إخوتاه، ارفعوا رؤوسكم، فاطعموا من هذا الطعام الذي جئتكم به، وتوكلوا على ربكم. فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع حذرًا وتَخَوُّفًا على أنفسهم، فطعموا منه، وذلك مع غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون، ويُذَكِّر بعضهم بعضًا على حزن منهم، مشفقين مما أتاهم به صاحبهم من الخبر، فبينا هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون مصدقون بالوعد، ونفقتهم موضوعة عندهم، فلما كان الغد فقدهم دقيانوس، فالتمسهم، فلم يجدهم، فقال لعظماء أهل المدينة: لقد ساءني شأنُ هؤلاء الفتية الذين ذهبوا، لقد كانوا يظنون أن بي غضبًا عليهم فيما صنعوا في أول شأنهم لجهلهم ما جهلوا من أمري، ما كنت لأحمل عليهم في نفسي، ولا أُؤاخذ أحدًا منهم بشيء إن هم تابوا وعبدوا آلهتي، ولو فعلوا لتركتهم، وما عاقبتهم بشيء سلف منهم. فقال له عظماء أهل المدينة: ما أنت بحقيق أن ترحم قومًا فَجَرَة مَرَدَة عصاة، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم، وقد كنت أجَّلْتَهم أجلًا، وأخَّرْتَهم عن العقوبة التي أصبت بها غيرهم، ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الأجل، ولكنهم لم يتوبوا ولم ينزعوا ولم يندموا على ما فعلوا، وكانوا منذ انطلقت يُبَذِّرون أموالهم بالمدينة، فلما علموا بقدومك فرُّوا فلم يُرَوْا بعد، فإن أحببت أن تُؤتى بهم فأرسِل إلى آبائهم فامتحِنهم، واشدد عليهم يَدُلُّوك عليهم؛ فإنهم مختبئون منك. فلما قالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>