للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأصحابه سجودًا، وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته، ثم كلم بعضهم بعضًا، وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقينوس ذلك الجبار الذي كانوا هربوا منه. ثم إن أريوس وأصحابه بعثوا بريدًا إلى ملكهم الصالح تيذوسيس: أن عَجِّل؛ لعلك تنظر إلى آية من آيات الله، جعلها الله على ملكك، وجعلها آية للعالمين، لتكون لهم نورًا وضياء، وتصديقًا بالبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاث مائة سنة. فلما أتى الملك تيذوسيس الخبر قام من المسندة التي كان عليها، ورجع إليه رأيه وعقله، وذهب عنه همه، ورجع إلى الله - عز وجل -، فقال: أحمدك اللهَ رب السماوات والأرض، أعبدك، وأحمدك، وأسبح لك، تطولت عليَّ، ورحمتني برحمتك، فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي، وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك. فلما نُبئ به أهل المدينة ركبوا إليه، وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس، فتلقاهم أهل المدينة، وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف حتى أتوه، فلما رأى الفتية تيذوسيس فرحوا به، وخروا سجودًا على وجوههم، وقام تيذوسيس قدامهم، ثم اعتنقهم وبكى، وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه، ويقول: واللهِ، ما أشبه بكم إلا الحواريون حين رأوا المسيح. وقال: فرج الله عنكم، كأنكم الذين تُدعون فتحشرون من القبور. فقال الفتية لتيذوسيس: إنا نودعك السلام، والسلام عليك ورحمة الله، حفظك الله، وحفظ لك ملكك بالسلام، ونعيذك بالله من شر الجن والإنس، فآمِن بعيش من خلد وشيك، إنّ أسوأ ما سلك في بطن الإنسان أن لا يعلم شيئًا، لا كرامة إن أُكرم بها، ولا هوان إن أُهين به. فبينما الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم، فناموا، وتوفى الله أنفسهم بأمره. وقام الملك إليهم، فجعل ثيابه عليهم، وأمر أن يجعل لكل رجل منهم تابوتًا من ذهب، فلما أمسوا ونام أتوه في المنام، فقالوا: إنا لم نُخلق من ذهب ولا فضة، ولكنا خلقنا من تراب، وإلى التراب نصير، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه. فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج، فجعلوهم فيه، وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم. وأمر الملك فجعل كهفهم مسجدًا يصلى فيه، وجعل لهم عيدًا عظيمًا، وأمر أن يؤتى كل سنة. فهذا حديث أصحاب الكهف (١). (ز)


(١) أخرجه ابن جرير ١٥/ ١٩٩ - ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>