ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة. فقال له يمليخا: فواللهِ، إني إذًا لحيران، وما هو بمصدقي أحد من الناس بما أقول، واللهِ، لقد علمتُ، لقد فررنا من الجبار دقينوس، وإني قد رأيته عشية أمس حين دخل مدينة أفسوس، ولكن لا أدري أمدينة أفسوس هذه أم لا؟ فانطلقا معي إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس أريكم أصحابي. فلما سمع أريوس ما يقول يمليخا قال: يا قوم، لعل هذه آية من آيات الله جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يُرِنا أصحابه، كما قال. فانطلق معه أريوس وأسطيوس، وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم. ولما رأى الفتية أصحاب الكهف يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ظنوا أنه قد أُخذ فذهب به إلى ملكهم دقينوس الذي هربوا منه، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه إذ سمعوا الأصوات وجَلَبَة الخيل مُصْعِدَةً نحوهم، فظنوا أنهم رسل الجبار دقينوس بعث إليهم ليؤتى بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة، وسلم بعضهم على بعض، وأوصى بعضهم بعضًا، وقالوا: انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبار دقينوس ينتظر متى نأته. فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهري الكهف، فلم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفًا على باب الكهف، وسبقهم يمليخا، فدخل عليهم وهو يبكي، فلما رأوه يبكي بكوا معه، ثم سألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره، وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نيامًا بأمر الله ذلك الزمان كله، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقًا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها. ثم دخل على أثر يمليخا أريوس، فرأى تابوتًا من نحاس مختومًا بخاتم من فضة، فقام بباب الكهف، ثم دعا رجالًا من عظماء أهل المدينة، ففتح التابوت عندهم، فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبًا فيهما كتاب، فقرأهما، فوجد فيهما: أن مكسلمينا، ومحسلمينا، ويمليخا، ومرطونس، وكشطونس، ويبورس، ويكرنوس، ويطبيونس، وقالوس، كانوا ثمانية هربوا من ملكهم دقينوس الجبار، مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا هذا الكهف، فلما أُخبر بمكانهم أمر بالكهف فسُد عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وقصة خبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم. فلما قرؤوه عجبوا، وحمدوا الله الذي أراهم آية للبعث فيهم، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه، ثم دخلوا على الفتية الكهف، فوجدوهم جلوسًا بين ظهريه، مشرقة وجوههم، لم تبل ثيابهم. فخرَّ أريوس