أريوس، واسم الآخر: أسطيوس، فلما انطُلق به إليهما ظن يمليخا أنه يُنطلق به إلى دقينوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا، وجعل الناس يسخرون منه كما يُسخر من المجنون والحيران، فجعل يمليخا يبكي، ثم رفع رأسه إلى السماء وإلى الله، ثم قال: اللهم إله السماوات والأرض، أوْلِج معي روحًا منك اليوم تؤيدني به عند هذا الجبار. وجعل يبكي، ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي، يا ليتهم يعلمون ما لقيت، وأني يُذهب بي إلى دقينوس الجبار، فلو أنهم يعلمون فيأتون، فنقوم جميعًا بين يدي دقينوس، فإنا كنا تواثقنا لنكونن معًا، لا نكفر بالله، ولا نشرك به شيئًا، ولا نعبد الطواغيت من دون الله، فرق بيني وبينهم، فلن يروني ولن أراهم أبدًا، وقد كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدًا، يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي هو أم لا؟ ذلك الذي يحدث به يمليخا نفسه فيما أخبر أصحابه حين رجع إليهم. فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وأسطيوس، فلما رأى يمليخا أنه لم يذهب به إلى دقينوس أفاق، وسكن عنه البكاء، فأخذ أريوس وأسطيوس الورِق، فنظرا إليها، وعجبا منها، ثم قال أحدهما: أين الكنز الذي وجدت، يا فتى؟ هذا الورِق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزًا. فقال لهما يمليخا: ما وجدت كنزًا، ولكن هذه الورِق ورِق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن -واللهِ- ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكم. فقال له أحدهما: مِمَّن أنت؟ فقال له يمليخا: أما ما أرى فكنت أرى أنِّي من أهل هذه القرية. قالوا: فمَن أبوك؟ ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدًا يعرفه ولا أباه، فقال له أحدهما: أنت رجل كذّاب لا تُنبئنا بالحق. فلم يدر يمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس بصره إلى الأرض. فقال له بعض مَن حوله: هذا رجل مجنون. فقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكنه يحمِّق نفسه عمدًا لكي ينفلت منكم. فقال له أحدهما، ونظر إليه نظرًا شديدًا: أتظن أنك إذ تَتَجانَنُ نرسلك ونصدقك بأنّ هذا مال أبيك، وضرب هذه الورِق ونقشها منذ أكثر من ثلاث مائة سنة؟ وإنما أنت غلام شابٌّ تظن أنك تأفكنا، ونحن شُمْط كما ترى، وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها، إني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابًا شديدًا، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت. فلما قال ذلك قال يمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم عما عندي، أرأيتم دقينوس الملك الذي كان في هذه المدينة عشية أمس ما فعل؟ فقال له الرجل: ليس على وجه الأرض رجل اسمه: دقينوس،