قبل أن أخزى فيها، أو يصيبني شر فأهلك. هذا الذي يحدث به يمليخا أصحابه حين تبين لهم ما به، ثم إنه أفاق، فقال: واللهِ، لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس لي. فدنا مِن الذين يبيعون الطعام، فأخرج الورِق التي كانت معه، فأعطاها رجلًا منهم، فقال: بعني بهذه الورِق -يا عبد الله- طعامًا. فأخذها الرجل، فنظر إلى ضرب الورِق ونقشها، فعجب منها، ثم طرحها إلى رجل مِن أصحابه، فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم مِن رجل إلى رجل، ويتعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون بينهم، ويقول بعضهم لبعض: إنّ هذا الرجل قد أصاب كنزًا خبيئًا في الأرض منذ زمان ودهر طويل. فلما رآهم يتشاورون من أجله فرِق فرَقًا شديدًا، وجعل يرتعد، ويظن أنهم قد فطِنوا به وعرفوه، وأنهم إنّما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقينوس يُسَلِّمونه إليه، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه، فقال لهم وهو شديد الفرَق منهم: أفضلوا عليَّ، فقد أخذتم ورِقي، فأمسِكوا، وأما طعامكم فلا حاجة لي به. قالوا له: مَن أنت، يا فتى؟ وما شأنك؟ واللهِ، لقد وجدت كنزًا من كنوز الأولين، فأنت تريد أن تخفيه مِنّا، فانطلق معنا فأرِناه، وشاركنا فيه نُخْفِ عليك ما وجدت، فإنّك إن لا تفعل نأتِ بك السلطان، فنسلمك إليه، فيقتلك. فلما سمع قولهم عجب في نفسه، فقال: قد وقعتُ في كل شيء كنت أحذر منه. ثم قالوا: يا فتى، إنّك -واللهِ- ما تستطيع أن تكتم ما وجدت، ولا تظن في نفسك أنه سيخفى حالك. فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم وما يرجع إليهم، وفَرِق حتى ما يُحِير إليهم جوابًا، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه، فطوقوه في عنقه، ثم جعلوا يقودونه في سِكَك المدينة مُلَبَّبًا، حتى سمع به مَن فيها، فقيل: أُخذ رجل عنده كنز. واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه، ويقولون: واللهِ، ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة، وما رأيناه فيها قط، وما نعرفه. فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم مع ما يسمع منهم، فلما اجتمع عليه أهل المدينة فَرِق، فسكت فلم يتكلم، ولو أنه قال: إنّه من أهل المدينة؛ لم يُصَدَّق، وكان مستيقنًا أن أباه وإخوته بالمدينة، وأن حسبه من أهل المدينة مِن عظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنه من عشية أمس يعرف كثيرًا من أهلها، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحدًا. فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأته بعضُ أهله؛ أبوه أو بعض إخوته، فيخلصه من أيديهم، إذ اختطفوه، فانطلقوا به إلى رأسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها، وهما رجلان صالحان، كان اسم أحدهما: