للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إيمانكم بالله، والحياة من بعد الموت. ثم قالوا ليمليخا: انطلق إلى المدينة، فتسمَّع ما يُقال لنا بها اليوم، وما الذي نُذكر به عند دقينوس، وتلطف، ولا تُشعِرَنَّ بنا أحد، وابتع لنا طعامًا فأتنا به، فإنه قد آن لك، وزدنا على الطعام الذي قد جئتنا به؛ فإنّه قد كان قليلًا، فقد أصبحنا جياعًا. ففعل يمليخا كما كان يفعل، ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ ورِقًا من نفقتهم التي كانت معهم التي ضربت بطابع دقينوس الملك، فانطلق يمليخا خارجًا، فلمّا مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف، فعجب منها، ثم مرَّ فلم يُبالِ بها، حتى أتى المدينة مستخفيًا يصُدُّ عن الطريق تَخَوُّفًا أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه، فيذهب به إلى دقينوس، ولا يشعر العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة وتسع سنين، أو ما شاء الله من ذلك، إذ كان ما بين أن ناموا إلى أن استيقظوا ثلاث مائة وتسع سنين. فلما رأى يمليخا باب المدينة رفع بصره، فرأى فوق ظهر الباب علامةً تكون لأهل الإيمان، إذا كان ظاهرًا فيها، فلمّا رآها عجِب، وجعل ينظر مستخفيًا إليها، فنظر يمينًا وشمالًا، فتعجَّب بينه وبين نفسه، ثم ترك ذلك الباب، فتحوَّل إلى باب آخر مِن أبوابها، فنظر فرأى من ذلك ما يحيط بالمدينة كلها، ورأى على كل باب مثل ذلك، فجعل يخيل إليه أنّ المدينة ليس بالمدينة التي كان يعرف، ورأى ناسًا كثيرين محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويعجب، ويخيل إليه أنه حيران، ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يعجب بينه وبين نفسه، ويقول: يا ليت شعري، أما هذه عشية أمس فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها، وأما اليوم فإنها ظاهرة! لعلي حالم! ثم يرى أنه ليس بنائم، فأخذ كساءه، فجعله على رأسه، ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين ظهري سوقها، فيسمع أناسًا كثيرًا يحلفون باسم عيسى ابن مريم، فزاده فرقًا، ورأى أنه حيران، فقام مسندًا ظهره إلى جدار مِن جدر المدينة، ويقول في نفسه: واللهِ، ما أدري ما هذا؟ أما عشية أمس فليس على الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل، وأما الغداة فأسمعهم وكل إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف! ثم قال في نفسه: لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف، أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدًا منهم! واللهِ، ما أعلم مدينةً قرب مدينتنا! فقام كالحيران لا يتوجه وجهًا، ثم لقي فتًى من أهل المدينة، فقال له: ما اسم هذه المدينة، يا فتى؟ قال: اسمها: أفسوس. فقال في نفسه: لعل بي مَسًّا، أو بي أمر أذهب عقلي؟ واللهِ، يحقُّ لي أن أسرع الخروج منها

<<  <  ج: ص:  >  >>