للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويبين للناس شأنهم، ويجعلهم آية لهم، وحجة عليهم؛ ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح تيذوسيس، ويتم نعمته عليه، فلا ينزع منه ملكه، ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئًا، وأن يجمع مَن كان تبدد من المؤمنين، فألقى الله في نفس رجل مِن أهل ذلك البلد الذي به الكهف -وكان الجبل بنجلوس الذي فيه الكهف لذاك الرجل، وكان اسم ذلك الرجل: أولياس- أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف، فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينزعان تلك الحجارة، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى نزعا ما على فم الكهف، حتى فتحا عنهم باب الكهف، وحجبهم الله مِن الناس بالرعب، فيزعمون أنّ أشجع من يريد أن ينظر إليهم غاية ما يمكنه أن يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف نائمًا، فلما نزعا الحجارة وفتحا عليهم باب الكهف أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظَهْرَي الكهف (١)، فجلسوا فرحين، مسفرة وجوههم، طيبة أنفسهم، فسلم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها، ثم قاموا إلى الصلاة، فصَلُّوا كالذي كانوا يفعلون، لا يرون ولا يُرى في وجوههم ولا أبشارهم ولا ألوانهم شيء ينكرونه، كهيئتهم حين رقدوا بعشي أمس، وهم يرون أنّ ملكهم دقينوس الجبار في طلبهم والتماسهم. فلما قضوا صلاتهم كما كانوا يفعلون قالوا ليمليخا -وكان هو صاحب نفقتهم الذي كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من المدينة، وجاءهم بالخبر أنّ دقينوس يلتمسهم، ويسأل عنهم-: أنبِئْنا، يا أخي، ما الذي قال الناس في شأننا عشي أمس عند هذا الجبار؟ وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون، وقد خُيِّل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض: {كم لبثتم} نيامًا؟ {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم}. وكل ذلك في أنفسهم يسير. فقال لهم يمليخا: افتُقِدتم والتُمِسْتم بالمدينة، وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم، فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل. فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه، اعلموا أنكم مُلاقَون، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله، ولا تنكروا الحياة التي لا تبيد بعد


(١) يقال للشيء إذا كان في وسَط شيء: هو بين ظَهْرَيْه وظَهْرانَيْه. لسان العرب (ظهر).

<<  <  ج: ص:  >  >>