للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه؛ إذ لم يرد العلم إلى الله. قيل: بلى. قال: أيْ ربِّ، فأين؟! قال: بمجمع البحرين. قال: أيْ ربِّ، اجعل لي عَلَمًا أعلم به ذلك. قال: خذ حوتًا ميِّتًا، حيث ينفخ فيه الروح. فأخذ حوتًا، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت. قال: ما كلفت كثيرًا. قال: فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثَرْيانَ (١)، إذ اضطرب الحوتُ وموسى نائم، فقال فتاه: لا أُوقِظه. حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، واضطرب الحوتُ حتى دخل البحر، فأمسك اللهُ عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر. قال موسى: {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}. قال: قد قطع الله عنك النَّصَب. فرجعا، فوجدا خَضِرًا على طُنفُسَةٍ (٢) خضراء على كبد البحر، مُسَجًّى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه، فسلَّم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرض مِن سلام؟! مَن أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا. قال: أما يكفيك أنّ التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك؟! يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، فقال: واللهِ، ما علمي وعلمُك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر. حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، فعرفوه، فقالوا: عبد الله الصالح، لا نحمله بأجر. فخرقها، ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا}. كانت الأولى نسيانًا، والوسطى شرطًا، والثالثة عمدًا، قال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله}، ووجد غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا، فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين، فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث». قال ابنُ عباس: قرأها {زكية}: «زاكِيَةً»: مُسْلِمَة، كقولك: غلامًا زكيًّا. فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض فأقامه- قال سعيد بيده هكذا، ورفع يده- فاستقام، {لو شئت لتخذت عليه أجرا}. قال سعيد: أجر نأكله. {وكان وراءهم ملك}». قرأها ابن عباس: (وكانَ أمامَهُم مَّلِكٌ). «يزعمون أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه -يزعمون-: جيسور،


(١) يقال مكان ثَرْيان، وأرض ثَرْيا: إذا كان في تُرابهما بلَل وندى. النهاية (ثرا).
(٢) الطُّنْفُسَة -وهي بكسر الطاء والفاء وبضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء-: البساط الذي له خَمل رقيق. النهاية (طنفس).

<<  <  ج: ص:  >  >>