{وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة}. ثم إنّ الله -جلَّ ثناؤه- أحياهم، فقاموا، وعاشوا رجلًا رجلًا، ينظر بعضهم إلى بعض كيف يُحْيَون، فقالوا: يا موسى، أنت تدعو الله فلا تسأله شيئًا إلا أعطاك، فادعه يجعلنا أنبياء. فدعا الله تعالى، فجعلهم أنبياء، فذلك قوله:{ثم بعثناكم من بعد موتكم}، ولكنه قَدَّم حرفًا وأَخَّر حرفًا (١)[٢٣٣]. (ز)
١٨٢٠ - قال مقاتل بن سليمان: ... قال السبعون لموسى: نحن أصحابك، جئنا معك، ولم نخالفك في أمر، ولنا عليك حق؛ فأرنا الله جهرة -يعني: مُعايَنة- كما رأيته. فقال موسى: واللهِ، ما رأيتُه، ولقد أردتُه على ذلك، فأبى، وتجلى للجبل فجعله دكًّا -يعني: فصار دَكًّا-، وكان أشدَّ مني وأقوى. فقالوا: إنّا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تُرِيَناهُ مُعايَنَةً. فلما قالوا ذلك أخذتهم الصاعقة، يعني: الموت عقوبة ... ثم أنعم الله عليهم، فبعثهم، وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكي، وظن أنهم إنما صعقوا بخطيئة أصحاب العجل، فقال - عز وجل - في سورة الأعراف [١٥٥]: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا}. وقال: يا ربِّ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم وقد أهلكتَ أحبارهم؟! فبعثهم الله - عز وجل - لما وجد موسى من أمرهم، فذلك قوله سبحانه:{ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون}(٢)، يقول: لكي تشكروا ربكم في هذه النعمة، فبعثوا يوم ماتوا، ثم
[٢٣٣] علَّق ابنُ كثير (١/ ٤٠٥ - ٤٠٦) على هذا الأثر بقوله: «وهذا السياق يقتضي أنّ الخطاب توجَّه إلى بني إسرائيل في قوله: {وإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللَّهَ جَهْرَةً}، والمراد السبعون المختارون منهم، ولم يحك كثير من المفسرين سواه، وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين: أنهم بعد إحيائهم قالوا: يا موسى، إنك لا تطلب من الله شيئًا إلا أعطاك، فادعه أن يجعلنا أنبياء، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته. وهذا غريب جدًّا، إذ لا يُعرَف في زمان موسى نبيٌّ سوى هارون، ثم يوشع بن نون. وقد غلط أهل الكتاب أيضًا في دعواهم أنّ هؤلاء رأوا الله - عز وجل -، فإن موسى الكليم - عليه السلام - قد سأل ذلك فمُنِع منه، فكيف يناله هؤلاء السبعون؟!».