للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انصرفوا مع موسى راجعين (١). (ز)

١٨٢١ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: لَمّا رجع موسى إلى قومه، ورأى ما هم فيه من عبادة العِجْل، وقال لأخيه وللسّامِرِيِّ ما قال، وحَرَّق العجل وذَرّاه في اليَمِّ؛ اختار موسى منهم سبعين رجلًا الخيِّر فالخيِّر، وقال: انطلقوا إلى الله، فتوبوا إليه مما صنعتم، وسلوه التوبة على مَن تركتم وراءكم من قومكم، صوموا، وتَطَهَّروا، وطَهِّروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طُور سَيْناء لميقاتٍ وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعِلْم. فقال له السبعون -فيما ذكر لي- حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا للقاء ربه، قالوا: يا موسى، اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا. فقال: أفعلُ. فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام، حتى تغشّى الجبل كله، ودنا موسى، فدخل فيه، وقال للقوم: ادْنُوا. -وكان موسى إذا كلمه ربُّه وقع على جبهته نورٌ ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب-، ودنا القوم، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل. فلما فرغ إليه من أمره وانكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم، فقالوا لموسى: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}. فأخذتكم الرجفة، وهي الصاعقة، فماتوا جميعًا، وقام موسى يناشد ربه، ويدعوه، ويرغب إليه، ويقول: رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، قد سفِهوا، أفتهلك مَن ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا؟ -أي: إن هذا لهم هلاك-، اخترت منهم سبعين رجلًا؛ الخيِّر فالخيِّر، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد، فما الذي يصدقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا؟! إنا هدنا إليك. فلم يزل موسى يُناشِد ربه، ويسأله، ويطلب إليه، حتى رَدَّ إليهم أرواحهم، وطلب إليه التوبةَ لبني إسرائيل من عبادة العجل، فقال: لا، إلا أن يقتلوا أنفسهم (٢) [٢٣٤]. (ز)


[٢٣٤] نقل ابن عطية (١/ ٢١٨) عن السدي وغيره قوله: «وسمعوا كلام الله يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطت أذهانهم، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم، ففعل، فلما فرغ وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله. فذلك قوله تعالى: {وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} [البقرة: ٧٥]».

<<  <  ج: ص:  >  >>