للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأُسَخِّر لك النور والظُّلْمَة فأجعلهما جندًا من جنودك؛ يهديك النور مِن أمامك، وتحوطك الظُّلْمَة من ورائك. فلمّا قيل له ذلك انطَلَق يَؤُمُّ الأُمَّة التي عند مغرب الشمس، فلمّا بلغهم وجد جمعًا وعددًا لا يحصيه إلا الله، وقُوَّة وبأسًا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة، وأمورًا مشتبهة، وأهواء مُتَشَتِّتة، وقلوبًا مُتَفَرِّقة، فلمّا رأى ذلك كابرهم بالظلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، فأحاطت بهم مِن كل مكان، وحاشتهم حتى جمعتهم في مكان واحد، ثم دخل عليهم بالنور، فدعاهم إلى الله وعبادته، فمنهم مَن آمن له، ومنهم مَن صَدَّ عنه، فعمد إلى الذين تَوَلَّوا عنه، فأدخل عليهم الظُّلمة، فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودُورهم، وغَشِيَتْهم مِن فوقهم ومِن تحتهم ومِن كلِّ جانبٍ منهم، فماجوا فيها، وتَحَيَّروا، فلمّا أشفقوا أن يهلكوا فيها عجُّوا إليه بصوتٍ واحد، فكشفها عنهم، وأخذهم عُنْوَة، فدخلوا في دعوته، فجَنَّدَ مِن أهل المغرب أممًا عظيمة، فجعلهم جندًا واحدًا، ثم انطلق بهم يقودهم، والظلمة تسوقهم من خلفهم، وتحوشهم من حولهم، والنور أمامه يقوده ويدُلُّه، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى، وهو يريد الأُمَّة التي في قُطر الأرض الأيمن التي يُقال لها: هاويل. وسخَّر الله له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظره وائتِماره، فلا يخطئ إذا ائتمر، وإذا عمل عملًا أتقنه، فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه، فإذا انتهى إلى بحر أو مَخاضة بنى سُفُنًا مِن ألواح صغار أمثال النِّعالِ، فنظَمها في ساعة واحدة، ثم حمل فيها جميع مَن معه مِن تلك الأمم وتلك الجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فَتَقها، ثم دفع إلى كل إنسان لوحًا فلا يَكْرِثُه حملُه (١)، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل، فعمل فيهم كعمله في ناسك، فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى، حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس، فعمل فيها، وجَنَّد منها جنودًا كفعله في الأُمَّتين اللتين قبلها، ثم كرَّ مُقبِلًا في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تاويل، وهي الأُمَّة التي بحيال هاويل، وهما متقابلتان، بينهما عَرْضُ الأرضِ كله، فلما بلغها عمل فيها، وجنَّد منها كفعله فيما قبلها، فلمّا فرغ منها عَطَف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض، من الجن وسائر الناس ويأجوج ومأجوج. فلما كان في بعض الطريق مِمّا يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق قالت له أُمَّةٌ من الإنس صالحة: يا


(١) لا يشق عليه حمله. النهاية (كرث).

<<  <  ج: ص:  >  >>