٤٥٦٤٢ - عن وهب بن منبه -وكان له علم بالأحاديث الأولى- أنه كان يقول: كان ذو القرنين رجلًا من الروم، ابن عجوز مِن عجائزهم، ليس لها ولد غيره، وكان اسمه: الإسكندريس، وإنما سمي: ذا القرنين؛ أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، فلما بلغ -وكان عبدًا صالحًا- قال الله له: يا ذا القرنين، إنِّي باعثك إلى أُمَم الأرض، منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها، وأمم في وسط الأرض، منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج، فأما اللتان بينهما طول الأرض فأُمَّة عند مغرب الشمس يُقال لها: ناسك، وأما الأخرى فعند مطلعها يقال لها: منسك، وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأُمَّة في قُطْر الأرض الأيمن يُقال لها: هاويل، وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأُمَّة يقال لها: تاويل. فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين: يا إلهي، أنت قد ندبتني لأمر عظيم، لا يَقْدُرُ قَدْرَه إلا أنت، فأخبِرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها بأيِّ قوة أكابرهم؟ وبأي جمع أكاثرهم؟ وبأي حيلة أكايدهم؟ وبأي صبر أقاسيهم؟ وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف لي بأن أفقه لغاتهم؟ وبأي سمع أعِي قولهم؟ وبأيِّ بصر أنفذهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟ وبأي قلب أعقل عنهم؟ وبأي حكمة أُدَبِّر أمرهم؟ وبأي قسط أعدل بينهم؟ وبأي حلم أصابرهم؟ وبأي معرفة أفصل بينهم؟ وبأي علم أتقن أمرهم؟ وبأي يد أسطو عليهم؟ وبأي رِجل أطؤهم؟ وبأي طاقة أخْصِمُهم؟ وبأيِّ جند أقاتلهم؟ وبأي رفق أستألفهم؟ فإنّه ليس عندي -يا إلهي- شيءٌ مما ذكرت يقرن لهم، ولا يقوى عليهم، ولا يُطِيقهم، وأنت الربُّ الرحيم الذي لا تُكَلِّف نفسًا إلا وسعها، ولا تُحَمِّلها إلا طاقتها، ولا تُعْنِتُها، ولا تَفْدَحُها (١)، بل ترأفها وترحمها. فقال له الله - عز وجل -: إنِّي سأُطَوِّقك ما حَمَّلْتُك، أشرح لك صدرك فيَتَّسِعُ لكل شيء، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كل شيء، وأمد لك بصرك فتنفذ كل شيء، وأُدَبِّر لك أمرك فتتقن كل شيء، وأحصي لك فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء، وأشد لك ظهرك فلا يَهُدُّك شيء، وأشد لك رُكْنَك فلا يغلِبك شيء، وأشدُّ لك قلبك فلا يَرُوعُك شيء، وأشد لك عقلك فلا يهولك شيء، وأبسط لك يديك فيسطوان فوقَ كلِّ شيء، وأشد لك وطْأَتَك فتَهُدُّ كل شيء، وأُلْبِسُك الهَيْبَة فلا يَرُومُك شيء،