للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طلبها، فسمعوا صوت عقعق (١) في رأس الجذع الذي مريم مِن تحته، فانطلقوا إليه، فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله}.

قال ابن عباس: لَمّا رأت بأنّ قومها قد أقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به، فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي: لا تخاف رِيبة ولا تُهمة، فلما نظروا إليها شقَّ أبوها مدرعته، وجعل التراب على رأسه، وإخوتها، وآل زكريا، فـ {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني: عظيمًا، {يا أخت هرون} كانت من آل هارون، {ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني: زانية، فأنّى أتيتِ هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح، والأب الصالح، والأم الصالحة؟! {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلِّموه، فإنه سيخبركم، فـ {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره، فإنّه سيُعَبِّر عَنِّي، ويكون لكم آية وعبرة. {قالوا}: يا عجبنا، {كيف نكلم من كان في المهد صبيا}؟! يعني: مَن هو في الخِرَقِ طفلًا لا ينطق! إذ أنطقه الله، فعبَّر عن أُمِّه، وكان عبرة لهم، فقال: {إني عبد الله}. فلما أن قالها ابتدأ يحيى، وهو ابن ثلاث سنين، فكان أولَ مَن صدق به، فقال: إنِّي أشهد أنك عبد الله ورسوله. لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} [آل عمران: ٣٩]. فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم، {وجعلني مباركا أينما كنت}.

قال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البركة التي جعلها الله لعيسى أنّه كان مُعَلِّمًا مُؤَدِّبًا حيثما توجه». {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني: وأمرني، {وبرا بوالدتي} فلا أعُقُّها.

قال ابن عباس: حين قال: {وبرا بوالدتي} قال زكريا: الله أكبر. فأخذه، فضَمَّه إلى صدره، فعلموا أنّه خُلِق مِن غير بشر، {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني: مُتَعَظِّمًا سفّاكًا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}. يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني: يَشُكُّون. يقوله لليهود، ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس (٢). (١٠/ ٤٢)

٤٦٣١٢ - عن نوف البِكاليّ -من طريق أبي عمران الجَوْنِيِّ- قال: كانت مريم - عليها السلام -


(١) العقعق: طائر ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب، من نوع الغربان. النهاية ٣/ ٢٧٦.
(٢) أخرج ابن عساكر في تاريخه بعضه مفرقًا ٤٧/ ٣٤٨ - ٣٤٩، ٧٠/ ٩٥ - ٩٦، وعزاه السيوطي إلى إسحاق بن بشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>